تثير قضية الإصلاح السياسي في سوريا جدلاً واسعاً بين كافة شرائح الشعب السوري ، ويتركز الجدل الدائر حول ماهية هذه الإصلاحات هل هي ردود فعل متأخرة انتجتها الصراعات الدولية والاتجاهات الأيديولوجية والسياسية الخارجية التي أنتهجتها الدولة السورية منذ بدء الأزمة السورية أما هي استجابة حقيقية لمطالب التطور السياسي وحقوق المواطن السوري في التمثيل السياسي والحوار.
منذ وصول السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد للسلطة في عام 2000 بدأ بحملة للإصلاحات الداخلية في سورية وفق برنامج أطلق عليه عملية التطوير و التحديث . وقدد حدد السيد الرئيس بشار الأسد معالم خطته الإصلاحية، وأكد عدداً من التصورات والمبادئ التي حققت تطلعات الشارع السوري، وأعطته أملاً جديدأ بواقع أفضل. فقد انتقد السيد الرئيس العديد من الممارسات التي سادت خلال السنوات الأخيرة، وشدد على أهمية تغيير أساليب عمل أجهزة الدولة، وأكد على التزام إدارة الدولة بمبدأ الحوار، واحترام الحقوق، وسيادة القانون، وحرية الرأي والتعبير، وإصلاح الجهاز الإداري
إلا أن هذه الإصلاحات أصدمت بمجموعة من الظروف الأقليمية والدولية بدءاً بأحداث 11/9-2001 والغزو الأمريكي للعراق 2003 و تبعاته المباشرة على سورية التي استضافت حوالي 2 مليون لاجئ عراقي واغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 2005 و محاولة الإيقاع بسورية من خلال اتهامها باغتياله و الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006 و تدفق اللاجئين اللبنانيين إلى سورية و الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 2008 وانتهاء بالأزمة السورية والتي أطلقت عليها الدول الداعمة للإرهاب والتطرف الديني في العالم اسم “الثورة السورية “
كما أن صعوبة الإصلاح لا تتعلق في المجتمع السياسي بتعدد القوى الاجتماعية والمؤسسات المجتمعية المؤثرة في حركة المجتمع والمحددة لوجهته، بل في التداخل العضوي لدوائر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، واعتماد إصلاح كل منها على الأخرى. وبالتالي فإن عملية الإصلاح عملية مركبة تحتاج من ناحية إلى رؤية واضحة وأهداف محددة، كما تحتاج من ناحية أخرى إلى تعاون وثيق ومستمر بين القوى الاجتماعية والفعاليات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار السياسي
لايخفى على أحد أن مبرمجي هذه الأزمة في سوريا حاولوا في بداية الأمر اللعب على وتر الإصلاح السياسي والتغيير الديموقراطي في سوريا لإظهارها على أنه ثورة شعبية تقوم في مضمونها على محاربة الفساد ولكن الرغبة الحقيقة للدولة السورية في الاستمرار في نهج الإصلاح دفعها وبتوجيه مباشر من سيادة الرئيس على تلبية جميع المطالب العادلة للشعب. و أصدر السيد الرئيس العديد من القرارات و المراسيم و القوانين التي شملت الجوانب السياسية التي لبى فيها جميع تطلعات الشعب السوري من أبرزها :
– رفع حالة الطوارئ .
– إلغاء محكمة أمن الدولة العليا .
– إصدار قانون التظاهر السلمي .
– إصدار قانون جديد لحرية الإعلام .
– تشكيل لجنة لإنجاز مشروع قانون للأحزاب السياسية.
– حل مشكلة الأكراد في سورية عن طريق تسوية أوضاع عديمي الجنسية و منحهم كامل حقوقهم كمواطنين سوريين .
– إصدار قانون عفو شامل و هو قانون غير مسبوق يشمل جميع الموقوفين السياسيين و المتوارين عن الأنظار بمن فيهم حركة الإخوان المسلمين . و بموجب هذا المرسوم تم الإفراج عن جميع الموقوفين .
– تشكيل الهيئة الوطنية للحوار
ومن المعروف أن القوى الإقليمية والدولية لم تشارك فقط في عملية التحكم وإدارة تطور الأزمة في سوريا، ولكن أيضًا في تهيئة الظروف لتفجر صراعات طائفية بهدف التغلغل والتدخل اللذان انحرفا كثيرًا بقدرة النظام الوطني الحاكم في تحقيق التحديث والإصلاح السياسي، ومكّن تلك القوى من امتلاك أدوات التخريب الداخلي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني كما ولعبت قوى عربية وإقليمية ودولية أدوار أخرى في الأزمة السورية على النحو الذي جاء على لسان الأستاذ محمد حسنين هيكل في حواره مع رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية؛ فقد ذكر هيكل أن الفريق الدابي رئيس مراقبي جامعة الدول العربية الذي سافر إلى سوريا تحدث صراحة في تقريره الجامع الذي قدمه إلى الجامعة عن أخطاء جسيمة للنظام السوري، لكنه تحدث أيضًا في ذلك التقرير عن “ضحايا لم يقعوا وعن مشاهد لم تحدث، وعن صور وأصوات يجري تصنيعها بالتدليس والتزييف، وكثير منها في معامل باريس ولندن”.
وهكذا فقد كانت استجابة الدولة السورية للمطالب الشعبية وبشكل سريع أربك داعمي الإرهاب الذين كانوا يعولون على نشوب صراع سياسي في سوريا وحدوث انشقاقات في المؤسسة العسكرية السورية ولكن حكمة القيادة السياسية وقدرتها على الإقناع وإدارة الأزمة منع حدوث هكذا خلل وترك بيدها القوة العسكرية والدعم الشعبي الذي مكنها من التفاوض وفرض شروط الحوار على داعمي الإرهاب كما أن وقوف الدول الصديقة مع حق الشعب السوري في تقرير مصيره في المحافل الدولية أمن الغطاء السياسي المناسب للجيش العربي السورية وحلفاءه للتصدي لقوى الظلام التكفيرية
وقد أكدت الدولة السورية مرارا وتكرارا أن الحل السياسي للأزمة يجب أن ينبع من حوار سوري سوري دون أي تدخل خارجي ودون وجود أي شروط للتفاوض وهذا إن دل على شيء فإته يدل على أن الحكومة السورية تسعى لبناء نظام سياسي يلائم السوريين بعيداً عن المصالح والأطماع الخارجية لأي دولة كانت
وقد كان تهافت الناخبين السوريين داخل سوريا وخارجها خصوصا في لبنان للمشاركة في الاستحقاقات الدستورية السورية والتحاق المقاتلين من جميع المدن السورية ومن جميع أطياف الشعب السوري بالجيش السوري كان بمثابة تأكيد شعبي حقيقي لشريعة الدولة السورية
هذا كله لا يعني بأن النظام السياسي في سوريا لا يحتاج إلى الإصلاح والتحديث بل هو دافع حقيقي يؤكد أن الحكومة السورية وبهذا الدعم الشعبي الكبير قادرة على تحقيق أعلى معايير الإصلاح السياسي وأن وعي الشعب السوري وقدرته على تحديد أهدافه سيسهلان على النظام الحاكم في سوريا إدارة الأزمة للخروج منها والارتقاء بالنظام السياسي في سوريا لأعلى درجات الديموقراطية