شهدت الجمهورية العربية السورية ومنذ بداية مسيرة التطوير والتحديث والتي تبناها السيد الرئيس
بشار الأسد تطورا ثقافيا ملحوظ وخاصة في السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة السورية من خلال الانفتاح على الحوار وتطبيق مبدأ التعددية السياسية والتمثيل الحزبي ودعم قطاع الإعلام من خلال افتتاح قنوات فضائية وإذاعات ….الخ جديدة تابعة للقطاعين العام والخاص وذلك رغم الصعوبات والتحديات الداخلية(فساد-ضعف التخطيط الاقتصادي ….الخ)والتحديات الخارجية (الضغوطات والعقوبات المتتالية على سوريا والحروب -حرب تموز -حرب غزة 2009)ولقد كان توجه الدولة السورية لتطوير الفكر والوعي السياسي والثقافي لدى المواطن واضحا وجليا بهدف تمكين هذا المواطن من تحليل الوقائع واستنباط الحقائق الأمر الذي يساهم في مواجهة أزمات الفكر والإرهاب الفكري
لقد آثرت الأزمة التي تمر بها سوريا يشكل مباشر وواضح على المستوى الثقافي والفكري للمجتمع السوري وخاصة لدى فئة الشباب والمراهقين ولقد كان هذا التأثر متغيرا حسب المحافظة بل وحسب المناطق في المحافظات وهذا الأمر يتعلق بالمستوى المعيشي والانتماء العقائدي والديني والسياسي …..الخ وهنا لا نريد أن نحمل المواطن سبب وعبأ نشوء الأزمة بل نريد أن نبين أن المحاولات الجادة والحثيثة التي قامت بها بعض الدول العربية والعالمية لضرب دور سوريا المحوري في المنطقة وخصوصا في مواجهة الكيان الصهيوني من خلال زرع فكر إرهابي تكفيري يحرض الفكر الطائفي ويزرع الشتات بين فئات الشعب السوري قد لاقى هذا الفكر رواجا مختلفا بين المناطق السوري متأثرا بالأسباب أنفة الذكر وعلينا الإشارة بأن الشعب في ظروف الأزمات والمحن يحتاج إلى صوت الحكمة والعقل لمواجهة الغرائز والتوخش والجهالة.
ومنه فإن الحكومات السورية المتعاقبة ليست بريئة من هذا الضعف البنيوي الثقافي فالتراكمات السلبية لهذه الحكومات في تكريس وتعميق الجهل والفقر وعدم وجود إستراتيجية أو رؤية لمواجهة ما يحاك من قبل بعض الدول والحكومات على الرغم من اندلاع أعمال شغب مماثلة في بعض الدول العربية
(ليبيا مثلا) .
بالنظر إلى التطرف من وجهة نظر سيكولوجية فالتطرف هو نتاج توأمة العوامل المادية
(الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ) وبين الأفكار والعقائد والايدولوجيا والذي أنتج في سوريا ونتيجة للدعم الخارجي من قبل بعض الدول وإرسالها للمقاتلين والسلاح منظمات إرهابية
(داعش -جبهة النصرة…الخ) لم تقتصر في تدميرها للبنية التحتية الاقتصادية الوطنية السورية بل تعدتها لتنشئ فكرا متطرف تحت ذريعة الإسلام جذب المراهقين الشباب ليس في سوريا فقط بل من دول العالم كافة وجعلت من سوريا مصدرا للإرهاب الإسلامي الذي ضرب دول العالم ووصل إلى دول أوروبا
(حوادث باريس مثلا).
لقد أكدت الدولة السورية مرارا وتكرارا خلال سنوات الأزمة في المحافل العربية والدولية أن مواجهة التطرف لا يمكن اختزاله بمحاربة التنظيمات الإرهابية فالتطرف موجود في العالم العربي منذ عقود وهناك ملوك وقياصرة عرب من يدعم الإرهاب ويرعاه وقد داومت الدول الاستعمارية والكيان الصهيوني على خلخلة الثقافة القومية العربية والثقافة الإسلامية بما يبثه من أباطيل وأكاذيب تمثلت أحيانا بأحياء النعرات الطائفية أو ترويج الثقافة الغربية وتزييف الحقائق التاريخية ومحاولة زج الدين في جميع ميادين الحياة ومنها السياسية وهذا أحدث شرخا كبيرا بين النظرية الدينية والتطبيق .
وبالتالي فإن محاربة التطرف الفكري والإرهاب الديني تبدأ بإنشاء منظومة ثقافية لمحاربة جذور التطرف لكي نتمكن من الخلاص منه وللأبد فلا تكفي الحلول الإسعافية إضافة إلى تحسين الواقع المعيشي للمواطن من خلال مواجهة مشاكل الفقر والبطالة والجهل فإن فهم أسباب التطرف لا يتم بالبحث في النظرية الدينية بل في أسلوب تطبيقها فالبحث عن أسباب التطرف لا يكون في السماء فهي موجودة في الأرض .
وأخيرا لابد من التأكيد أن بناء الدولة من الداخل يحصنها ضد الصراعات الخارجية وهذا البناء يتم بالتركيز على بناء الإنسان وترسيخ النظرية الإنسانية فالنبي محمد بعث متتما لمكارم الأخلاق وهنا يبرز دور الإنسان الذي هو غاية الحياة ومنطلق الحياة.
حسـين راغــب