الدراما السورية بين الفن والسياسة
يُعتبر الفن أحد المقومات الأساسية في صياغة الوعي والثقافة لا سيما في البيئات العربية، ويعتبر الفن أحد الأدوات الأساسية لصرف الانتباه عن قضايا معينة أو التركيز على موضوعات بعينها، ولا يمكن أن نغفل عن هذا التأثير على بنية النظام السياسي مما قد يدفع بالساسة في أي بلد أن يحرصوا على الاعتماد على الحياة الفنية كأحد آليات المواجهة والسيطرة على الوعي والتأثير سواء كان في بلادهم أو خارجها فالفن مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالسياسة، فما يعجز السياسيون عن قوله مباشرة للشعب ينجح الفنانون في إقناعه به عبر الكلمة والنغمة وقد أثبتت معظم الدراسات والبحوث التي أجريت لاستطلاع نسب مشاهدة الجمهور للتليفزيون والدراما التليفزيونية علي وجه خاص هذه الأهمية خاصة مع الدور الذي يمكن أن تؤديه الدراما التليفزيونية في مجال التثقيف السياسي، انطلاقا من تخصصه في هذا المجال، وفي ضوء نسب التعرض العالية التي يحظى بها التليفزيون من الجمهور
لقد أثبتت الدراما التلفزيونية السورية خلال العقدين الماضيين علو كعبها وقدرتها على الوصول إلى المشاهد العربي واحتلال قلبه من خلال الأعمال الدرامية المتنوعة (اجتماعية، تاريخية)
كما عملت بعض الأعمال الكوميدية على ملامسة هموم المواطن وكشف الفساد الإداري في مؤسسات الدولة في بعض لوحاتهلعل أشهرها كان (مرايا –بقعة ضوء–يوميات مدير عام ….) وقد مُنِح صناع الدراما حرية الانتقاد والتحليل للواقع السياسي كوجهة نظر من خلال الدراما كجزء أساسي من سياسة التطوير والتحديث التي انتهجها السيد الرئيس بشار الأسد فتحدثت بعض الأعمال الدرامية عن الفساد في بعض دوائر السلطة وتحكم أربابها بمصير المواطن السوري مثل (غزلان في غابة الذئاب )
مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011 وما لحق بالمواطن السوري من تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية بسبب انعدام الأمن وانتشار الإرهاب المدعوم من دول عربية وغربية على مساحات كبيرة من الأرض السورية الأمر الذي سبب تهجير الملايين من منازلهم ومدنهم، وقتل مئات الآلاف منهم وقد كان هذا الانقلاب في واقع المجتمع السوري والتفكك في تركيبة العلاقات الاجتماعية ووقوع المواطن في ويلات الحرب بكل أشكالها بدأ بعض صناع الدراما تقديم أعمال درامية تجسد واقع المواطن السوري المأساوي المرتبط إذ بدأت ترتسم ملامح خارطة للأعمال السورية فقسمت لأعمال تقدم واقعا من خلال تقديم مختلف وجهات النظر تحت سقف الوطن باعتبار أن سورية أولا قبل كل شيء كالذي يقدمه المخرج أحمد إبراهيم أحمد في مسلسل (عناية مشددة ) وأعمال تعتبر نفسها على الحياد ويهمها المواطن بالدرجة الأولى ومن أبرز الأعمال التي تناولت الأزمة السورية المعاصرة، بغض النظر عن وجهة نظر صانعها، كان مسلسل “ضبوا الشناتي” الذي قدم لهموم وانقسامات الشارع السوري بطريقة فكاهية وأعمال تقدم الواقع بصورة تستخف فيها بعقل المواطن السوري وتشك بقدرته التحليلية والعقلية فتجعل من الإرهاب ثورة فتتجاهل الدعم الخارجي والأجانب الإرهابيين الذين يحاربون إلى جانب الكيان الصهيوني وبمساعدته فخرجت عن الواقع ووضعت نفسها بوقا للعدو الصهيوني تتحدث بلسانه مستغلة الحرب الدائرة في سوريا والواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن السوري مثل (وجوه وأماكن)
وفي ندوة حوارية على إحدى الفضائيات مع مجموعة من المشتغلين في الدراما التليفزيونية السورية تناولت واقع الفن وأزمته الحالية التي هي بحسب آراء الفنانين المشاركين في الندوة أزمة مشتقة من الأزمة السورية بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية وجوانبها الاقتصادية والأمنية، وقد أجمع المتحاورون أن مآلات هذا الصراع المدمر لم تتضح بعد فإنه من غير الممكن تجاوز هذا المشهد المأزوم للدراما السورية!! ووصل الأمر برأي أحد الفنانين:
الدراما السورية تريد حلاً سياسياً !!. وبانتظار ذلك..! فقد كان اتفاق المتحاورين أن المشكلة بعيدة عن الحل، وستبقى مواضيع الدراما بعيدة عن الواقع السوري الحالي، وبينما يحتدم الانقسام في الوعي الاجتماعي ستهرب الأعمال الفنية من نقاش أسباب الأزمة
(المختلف عليها) أو الخوض في مجرياتها واحتمالات تطورها، وستلجأ إلى المواضيع التاريخية
وفي ظل انتشار الأعمال الدرامية للفنانين والكتاب الذي يعيشون في دول الخليج والتي كانت وما زالت الداعم الأول للإرهاب ، تسعى بعض المسلسلات المنتجة تحت رقابة تلك الأنظمة الإرهابية للترويج لرسائل سياسية تحرف الحقائق،فروجت الأعمال الدرامية لرسائل سياسية جعلت السوريين ضحايا للتطرف في ظل إغفال الدعم الصهيوني والغربي لأجانب يقاتلون في سوريا وتناست الضربات الإسرائيلية المتكررة والتدخلات التركية المباشرة التي تدعم هؤلاء الإرهابيين، أو صورت ما يجرى على أنه صراع بين معارضة معتدلة ونظام قاسي ليظهروا المجموعات المتشددة الوهابية التكفيرية التي أغلب عناصره وكل قادتها من الأجانب بأحسن الأحوال الأمر الذي يعد تزييفا لواقع تجاوز أبطاله الفعليون كل ما يعرض على الشاشات.
مما سبق يمكننا أن نخلص نجد أن هناك احتياجا شديدا للاهتمام بمجال كتابة وإعداد الأعمال الدرامية التليفزيونية التي تتناول موضوعات سياسية، خاصة التي تناقش أسباب وتداعيات الأزمة السورية والأطراف التي كانت تحاول تطويرها إلى حرب والسبل التي اتبعتها لاستدامة هذه الأزمة من خلال رصد التغيرات في المجتمع والبحث عن المستفيد من دمار البنية التحتية الاقتصادية السورية وتراجع دور سوريا في المنطقة ,وعلى المستوى الدولي، وعرض نماذج عن تضحيات الشعب السوري وقيادته وجيشه لتعزيز روح المواطنة وطرح الحلول المستقبلية للأزمة الاجتماعية والتركيز على وحدة الشعب العربي السوري والتركيز على بناء مستقبله بالمحبة والسلام والحوار لأن الفن والنص الدرامي بشكل خاص هو انعكاس للواقع والحياة اليومية التي يعيشها الناس، لإنه من غير المنطقي أن يكون الفن في وادٍ والجمهور في وادٍ آخرعلى الرغم من الحساسية العالية لدى بعض المحطات للقبول بأي عمل اجتماعي سوري فيه اي تفصيل عن الأزمة السورية، فالقنوات التلفزيونية تتجنب الدخول في تفاصيل الحرب السورية ما يدفع كاتب السيناريو ان يكتب بمنأى عن الواقع الحالي ويلجأ للبيئات الشامية والمسلسلات الاجتماعية ترويجا لعمله وليتمكن من توفير المردود المادي.
وفي النهاية من المؤكد أنه لو كتبت بعض قصص أبطال الجيش العربي السوري في سجن حلب المركزي و كويرس ودير الزور …الخ أو قصص بطولة أباء بعض الشهداء وأمهاتهم ورجولة بعض أبناء الشعب السوري وقصص لجوء البعض الأخر والعذاب الذي لاقاه على شكل أفلام هوليودية وبأسماء وشخصيات أميركية لحصلت على جائزة أوسكار وحصلت على أكبر نسب مشاهدة في العالم حتى في الدول التي دعمت الإرهاب في سوريا دون أن يضيف الكاتب أو يبالغ في أحداثها لكن الموقف السياسي والعداء لعروبة سوريا والاصطفاف في المعسكرات يمنع الدراما السورية من الوصول وهذا يدحض كل ما يقال حول تراجع الدراما السورية أو النص الدرامي بل هو اعتكاف من قبل القنوات الفضائية عن الدراما السورية كموقف سياسي لبلدانها ومدرائها.