منذ اندلاع الحرب في سوريا بدأت بعض الدول الأقليمية الداعمة للإرهاب وبتغطية سياسية من الولايات المتحدة وبعض الدول الآوربية بإرسال المال والسلاح لدعم ما سموه “بالمعارضة المسلحة المعتدلة” ولم توفر هذه الدول أي جهد مادي أو إعلامي لكسر إرادة الشعب السوري محاولة فرض إرادتها السياسية وأحلامها الصهيونية على الدولة السورية قيادة وشعب وقد تفاجأت هذه الدول وعلى رأسها تركيا وإسرائيل وقطر …الخ بالتلاحم بين الشعب والجيش والقيادة العسكرية والسياسية السورية الأمر الذي حطم كل تطلعاتهم الطائفية الاحتلالية فبدؤوا بإراسال المقاتلين الأجانب وتحولت سوريا إلى ساحة لتصفية الصراعات الدولية والأقليمية وهذا ما دفع الدولة السورية للاستعانة بحلفائها وأصدقائها وعلى رأسهم روسيا وأيران وحزب الله …..الخ وقد كان الدور الروسي، في إدارة الموقف، والوضع، والأزمة في سوريا أقوى وأكثر فعالية من أدوار القوى الإقليمية الأخرى ، وهذا شيء طبيعي، لان الدور الدولي عادة ما يكون أقوى وأكثر خبرة من الدور الإقليمي وعلى الرغم من إقرار الحكومة الروسية بضرورة إصلاح النظام السياسي السوري، إلا إن روسيا تريد إن يكون الوصول إلى الحل السياسي في سوريا سلميا وعن طريق المفاوضات السورية السورية دون أي تدخل خارجي، وقد كان ذلك واضحا في الموقف الروسي منذ مؤتمر جنيف1- 2 – 3…الخ وحتى الآن وقد ساعدت روسيا في تهيئة الجو الدولي لنشوء هذه المفاوضات فإضافة إلى مواقفها الحازمة ضد القرارات الجائرة بحق الشعب السوري في المحافل الدولية فقد عملت على جمع القوى الأقليمية حيث نجحت في جمع طهران وأنقرة حول الوضع السوري وهذا لا يعني عدم وجود خلافات أو مصالح متضاربة بين الأطراف، ولكنها تمكنت ومن خلال ممارستها لسياسة ضبط النفس وخصوصا في علاقاتها مع آردوغان من تحقيق بعض التوافقات الأقليمية حول ضرورة اللجوء للحل السياسي فقد تحدثت بعض التقارير الصحفية أن روسيا ساعدت في كشف وأيقاف الأنقلاب الأخير ضد النظام التركي لجذب الحكومة التركية من جهة للمفاوضات ولكشف زيف العلاقات الأمركية – التركية والآوربية – التركية من جهة آخرى إضافة إلى منع انجرار الوضع في المنطقة إلى نتائج مجهولة وتعقيدات لايمكن السيطرة عليها وذلك بالرغم من ممارسات السلطات التركية الرعناء والتي بدت واضحة خصوصا عندما قامت الدفاعات الجوية التركية بإسقاط طائرة روسية على الحدود الشمالية لسوريا وضمن الحدود السورية بعد أن دخلت روسيا الحرب وفرضتْ أولويات حسب أمنها القومي وبقناعةٍ قوية ان الحلّ العسكري في سورية غير ممكن التحقيق رغم أن الوجود العسكري الروسي المكثف في سوريا مهم و مؤثر؛ وذلك بسبب نوعية وتقدم منظومات التسلح الجوي والدفاعي المستخدم من جانب روسيا الاتحادية،
وقد أكدت الحكومة الروسية على لسان مسؤوليها أن محاربة الإرهاب هو شأن دولي ولا يهدف إلى حماية النظام السوري فالعمليات العسكرية الروسية علي الأرض ضد تنظيم “داعش”يهدف لمنع تمدد الإرهاب فهو لا يهدد دولتي سوريا والعراق فقط، بل يشكل تهديد لكثير من الدول والقوى الإقليمية العربية، والشرق أوسطية، والقوى الدولية فاستمرارتمدد القوى المتطرفة الإسلامية ، أو تصاعدها، ونموها، وزيادة خطورتها يمكن أن يؤدي إلي امتداد خطر الإرهاب إلي آسيا الوسطي، وإلي الجوار الروسي، أو إلى الداخل الروسي، من خلال تصعيد الإرهاب مجددا في منطقة الجمهوريات الإسلامية في القوقاز وخاصة في الشيشان
وتعد سوريا أهم حلفاء موسكو الإقليميين في المنطقة العربية، ولذلك يصبح لها مصلحة إستراتيجية في استمرارية علاقتها الإستراتيجية – السياسية ، حيث تمثل سوريا موطئ القدم الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لروسيا. فموقع سوريا – المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق — يجعلها ذات أهمية كبرى من أن يُسمح بخسارتها ووقوعها بيد الإرهابيين
كما أن لدى موسكو مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة في سوريا وخصوصا القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الروسية في مدينة طرطوس، والموجودة هناك منذ فترة الاتحاد السوفييتي وربما يعتبر هذا الأسطول هو الأسطول الأول التابع لروسيا في البحر المتوسط وكمنطقة مثل منطقة الشرق الأوسط التي تتميز بصراعاتها الشبه دائمة لابد من استمرار الوجود الروسي لكي يتمكن من حماية مصالحه الدولية فخروجه من هذه المنطقة يعني انكفائه في القطب والخروج من الدائرة الدولية وبالتالي إن الوقوف بجانب السيادة والشرعية السورية رسالة روسية للعالم مفادها أن روسيا لا تزال قوة يعتد بها على الساحة ويضاف إلى ذلك أن دمشق لا تزال من أهم المشترين للمعدات الحربية والأسلحة الروسية في الشرق الأوسط
ولكن على الرغم من كل ما تقدم وعلى الرغم من أهمية العلاقات التجارية والسياسية بين روسيا وسوريا وأهمية قاعدة طرطوس البحرية بالنسبة إلى الأسطول الروسي المبحر في المتوسط، فإن الموقف الروسي «الثابت» تجاه الأزمة السورية يرتبط إلى حد بعيد بتعقيدات العلاقات القائمة بين روسيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة، ومن أبرزها: الدرع الصاروخية، ونزع السلاح، وقضايا حقوق الانسان والقضية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى إرث التدخّلات الأميركية في الدول القريبة من روسيا
خلاصة القول أن موسكو كانت أهم عوامل صمود الدولة السورية في وجه هذه الهجمة الإرهابية الدولية الأقليمية العربية على سوريا سواء من خلال مواقفها السياسية أو من خلال مساعداتها الإنسانية وهذا ما يخدم المصلحة السورية الروسية المشتركة ولكن لا بد من التأكيد أنه لولا موقف الشعب السوري المشرف ووقوفه في صف واحد مع الجيش العربي السوري الذي قدم كل التضحيات ليبقي على أهمية القرار السيادي السوري لما تمكنت روسيا من الاستمرار في دعم سوريا .لكن ثقة موسكو بالشعب والجيش السوري ووقوفهما بجانب القيادة الوطنية السورية مكن روسيا من تقديم كل التسهيلات لحماية المصالح الروسية السورية المشتركة
د.حسين راغب