انسحاب جزء من القوات الروسية من مطار حميم يعني عدم مشاركة روسيا في الحرب ضد جبهة النصرة في إدلب
أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن عودة جزء كبير من القوات الروسية من سوريا، تنفيذاً للقرار الذي أعلن عنه بوتين، خلال زيارته المفاجئة للقاعدة الروسية في حميميم. وقالت الوزارة إن طائرتي نقل عسكري وصلتا إلى مدينة محج قلعة في داغستان، قادمتين من سوريا وعلى متنهما كتيبة الشرطة العسكرية الروسية التي تضم 200 عسكري من قوات الدائرة العسكرية الجنوبية. وذكرت الوزارة أن تلك القوات باشرت تنفيذ مهام في سوريا منذ مايو (أيار) 2017، وأشرفت تلك القوات على الأمن في مناطق خفض التصعيد، وأقامت 26 نقطة مراقبة لوقف إطلاق النار في تلك المناطق، ونفّذت كذلك مهام مرافقة قوافل المساعدات الإنسانية، والحفاظ على أمن المدنيين في مناطق مثل مدينة حلب. وفي السياق ذاته أكدت الوزارة بدء عودة قاذفات استراتيجية من مطارات مؤقتة جنوب روسيا، وُجدت فيها في إطار المشاركة في قصف مواقع في سوريا، إلى قواعدها الجوية الدائمة في مختلف المناطق الروسية، ومنها قاذفات «تو – 22 إم3» التي وصلت إلى قواعدها في مورمانسك، عند القطب الشمالي
قرار الانسحاب الروسي أثار تساؤلات حول أهداف هذا الانسحاب ودلالاته، على الرغم من أن بعض المحللون قالوا أن قرار الانسحاب الروسي لم يكن مفاجئاً لأحد، خاصةً أن بوتين وجه هذا الكلام لوزير دفاعه في آذار 2016، وطلبه منه تكثيف العملية السياسية، وتخفيف الدور العسكري لإنهاء الأزمة السورية
وعلى الرغم من انتهاء تنظيم داعش الإرهابي يصر بعض المعتوهون السياسيون على أن قرار بوتين بسحب قواته، يهدف إلى محاولة الخروج بأسرع وقت من “المستنقع السوري و والذي استنزف الكثير من القوى الروسية. “
بينما يرى موقع “تيك ديبكا” الأمني الإسرائيلي، أن الإعلان الروسي عن الانسحاب، ما هو إلا استثمار في الانتخابات الرئاسية الروسية مطلع العام القادم، حيث أعلن بوتين أنه سيخوض الانتخابات لدورة جديدة، ولهذا أعلن بوتين عن الانسحاب الجزئي للقوات باعتباره “نصراً” ودليلاً على أن المهمة في سوريا اكتملت إلى حد بعيد، بما يمنح بوتين دعماً مع بدء حملته سعياً لولاية جديدة.
ويرى الخبراء أن الغاية الأساسية من هذا القرار هو تحفيز المفاوضات الجارية بين الأطراف السورية في جنيف،. وفي هذا السياق قال بوريس دولغوف، الباحث العلمي في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن الهدف الرئيسي من هذا القرار هو دفع عملية التفاوض السورية — السورية. وأضاف دولغوف :”إن هذه الرسالة، موجهة لأولئك المشاركين في المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، لحثهم على إيجاد حلول وسط، للبدء بالعملية السياسية في سوريا
من جانبه، يعتبر ستانيسلاف إيفانوف، أحد كبار الخبراء في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن قرار بدء سحب القوات الروسية من سوريا، أتى في الوقت المناسب، ذلك لتوافقه مع بدء المفاوضات بين الأطراف السورية. وأوضح إيفانوف بأن القوات الجوية الفضائية الروسية، قامت بتنفيذ مهمتها الرئيسية، المتمثلة بخلق ظروف ملائمة لبدء عملية السلام في سوريا.
وأردف إيفانوف قائلاً: “إن الخطوة الروسية أتت بالذات، عشية بدء جولة جديدة من المفاوضات “السورية — السورية”، وبعد أن تم فتح الممرات الإنسانية، وانخفاض تدفق اللاجئين من سوريا، واعتبر القرار الروسي بأنه خطوة من العيار الثقيل، لذلك ينبغي له أن يلعب دوراً إيجابياً”.
وأشار المستشرق إلى أن هذه البادرة، هي إشارة لجميع المشاركين في عملية التفاوض، سواء لحكومة السورية أو للمعارضة المسلحة والأكراد وغيرهم من الأطراف الصغيرة المشاركة، بأن مصير سوريا بات في أيديهم.
هذا ويشار إلى أن سحب كافة القوات الروسية المتواجدة في سوريا، لن يتم بشكل كامل، بل ستبقى القوات المرابطة في مطار “حميميم” وميناء طرطوس متواجدة في قواعدها، إذ أكد وزير الدفاع أن التواجد الروسي في ميناء طرطوس البحري وقاعدة “حميميم” الجوية سيستمر بالعمل كالمعتاد. مؤكداً بأنهما ستكونان محميتين برا وبحرا وجوا، وأن الجزء المتبقي من القوات السورية سيشارك في مراقبة وقف إطلاق النار
وأعلن بوتين وهو يقف في مقابلة مع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، في قاعدة حميميم، “التهديد الإرهابي يبقى مرتفعا جدا في العالم. لكن مهمة التصدي للعصابات الإرهابية هنا في سورية، والتي كانت ضرورية مع استخدام كبير للقوات المسلحة، انجزت في الإجمال ببراعة”.
ولم يحدد بوتين عدد الجنود المنسحبين أو الباقين. وحسب قائد القوات الروسية في سورية، الجنرال سيرغي سوريفيكين، ستغادر سورية قريبا 23 طائرة ومروحيتان إضافة إلى وحدات من القوات الخاصة وخبراء ألغام وأطباء مستشفى ميداني.
وقالت مصادر قريبة من الجيش الروسي لصحيفتي”آر بي كي” و”كومرسنت”، إن الانسحاب يشمل “ثلثي القوة والعتاد”. بيد أن الوجود العسكري الروسي سيبقى في مطار حميميم وقاعدة طرطوس البحرية وذلك للتمكن من “ضرب الإرهابيين بقوة لا مثيل لها إذا تجرأوا على الظهور” مجددا، حسب ما صرح ديميتري بيسكوف، المتحدث العسكري الروسي
وقالت صحيفة «كوميرسانت» وفق معلومات متوفرة لديها، إن عملية انسحاب القوات الروسية وعودتها من سوريا إلى قواعدها الدائمة ستنتهي خلال أسبوع. ولكن على الرغم من إعلان القضاء على «داعش» في سوريا، لكن لا يجوز الحديث عن انتصار في الحرب. وحذّر من أن الاستطلاع والاستخبارات يرصدان تنقلات بقايا مجموعات الإرهابيين على الأراضي السورية، الذين قد يقومون بتنفيذ عمليات تخريبية. وفي حال عاد الإرهابيون، بما في ذلك «جبهة النصرة المتواجدة في ريف حماه وإدلب»، وحاولوا التصعيد مجدداً، فإن روسيا، وفق تأكيدات مصدر مقرب من قيادة الأركان الروسية، لن تتوقف عند استخدام المقاتلات من حميميم فقط للرد، بل ستستخدم كذلك صواريخ «كاليبر» وتطلقها من السفن الروسية على تجمعات الإرهابيين عند الضرورة.
وفي السياق نفسه، نقلت (رويترز) عن الكرملين، أن روسيا ستبقي قاعدتين إحداهما بحرية والأخرى جوية في سوريا لتنفيذ ضربات ضد المسلحين إذا لزم الأمر، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب جزء من القوات.