تحديات ما بعد الانتصار
مما شك فيه أن محور المقاومة الممتد من موسكو إلى دمشق مروراً بطهران وبيروت قد انتصر؛ على الأقل في المواجهات العسكرية الكبرى، لا سيما في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وفي استعادة السيطرة على الحدود الفاصلة بين سوريا وفلسطين المحتلة بعد المعركة الأخيرة التي تمت فيها السيطرة على مدينة درعا، وحسب ما تقدم الدلالات والمواجهات السياسية بأنه لن تخاض بعد اليوم حروباً كبرى شبيهة بما كان يجري خلال السنوات السبع الماضية منذ بدء المؤامرة على سوريا في آذار 2011 .
لكن وبالرغم من كل ذلك فإن الخطر الإرهابي لم ينتهي بعد ، بل سيتحول إلى قنابل متفجرة، ومتنقلة لإرهاب السوريين، على شاكلة ما يجري من تفجيرات في المدن السورية، لكنه لن يغير من النتيجة التي انتهت إليها المؤامرة على سوريا، و هي انتصار محور المقاومة استراتيجياً، و هو الانتصار الذي سيواجه بتحديات جديدة مهمة، ، ويجب الالتفات لها.
فيجب إعادة توجيه البوصلة والطاقات ناحية العدو الاستراتيجي للأمة ألا وهوالعدو الصهيوني، والتواصل بحذر ووعي مع ملف المصالحة الفلسطينية، والعمل على جعله قائماً على أساس المقاومة وليس اتفاقات أوسلو؛ و خياراتها البائسة، وفي الوقت نفسه؛ التواصل مع عرب 1948، الصامدين في فلسطين، وتقوية صمودهم، اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً، وعدم تركهم وحدهم أمام آلة التهويد الجبارة، والمساهمة في توحيد صفوف القوى والفصائل الفلسطينية، داخل وخارج فلسطين، لكن على أساس خيار المقاومة، و هذا ملف مهم للغاية، يحتاج إلى تفاعل وتنسيق استراتيجي مع الفصائل المقاومة وإلى برنامج عمل مشترك بينهم.
لكن ذلك لا يجب أن يغفل نظرنا عن الوضع الداخلي في سورية، فيجب العمل على محاصرة وإنهاء ما تبقي من جيوب داعش و أخواتها في سوريا. وهذا يحتاج إلى تنسيق أمني وسياسي جديد بين أركان حلف المقاومة، كما يجب مواصلة تجفيف المنابع الفكرية والعقائدية للإرهاب الداعشي وخاصة في البيئات السلفية والقبلية الحاضنة، سواء في سوريا، أو لبنان، أو العراق، كما يجب معالجة الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته سنوات من الإرهاب والتطرف والفوضى في النسيج الإجتماعي السوري، ولابد أن تكون طرق معالجته مبنية على أسس علمية بعيدة عن الشعارات والتملّق والإجتهادات الفردية الإنتهازية، فمرحلة تحرير الأراضي عسكريا لم تكن سوى مقدمة لبداية مرحلة جديدة ستغير من ملامح البلد وستنهض به الى واقع الأمم المتحضرة، في حال اغتنام الفرص وأخذ العبر من الأخطاء التي مرّت بها سورية.
إذ يقع على عاتق المسؤولين وضع برامج وخطط لتشغيل العاطلين عن العمل وانتشال العوائل الفقيرة من واقعها المأساوي، والقيام بتأسيس نوادي رياضية واجتماعية لاستيعاب الشباب، وقطع تمويل المساجد المتطرفة التي شكّلت حاضنة رئيسية للارهاب الداعشي وغيره، ولابد أن تعمل الحكومة السورية في المرحلة المقبلة على إعداد برامج الأطفال بالإعتماد على مناهج وفق رؤية جديدة تشمل المجالين التعليمي والثقافي.
كما ان إحدى التحديات الكبيرة التي ستواجه الدولة السورية، هي إعادة تأهيل المغرر بهم لأسباب عديدة ولديهم الرغبة بالعودة الى الحياة الطبيعية. ويتمثّل دور المسؤولين هنا من خلال إعداد خارطة طريق لاستيعاب المغرّر بهم وتأهيلهم من جديد، مع إظهار حسن النيّة لهم حتى يتسنّى لهم إثبات دورهم الوطني من جديد في بلادهم.
إن سوريا وبدعم من أصدقائها في محور المقاومة قد انتصرت، هذه حقيقة استراتيجية، أَقر بها حتى العدو الصهيوني، لكن مرحلة ما بعد الانتصار، وتساؤلاتها كمرحلة انتقالية كُبرى، هي الأهم والأخطر وهو ما ينبغي أن يلتفت إليها ويعمل لها محور المقاومة ومن ينتسب إليه من حركات، وإعلام ومفكرين.