دعا الإسلام العظيم إلى الوحدة : وحدة الصف .. ووحدة الموقف .. ووحدة الهدف المأمول .. وإلى التآلف والتسامح وجمع الكلمة .. والعمل بمكارم الأخلاق المستندة إلى الفضيلة .
ودعا أيضاً إلى توطيد وشائج التعاون وإحياء صلات الرحمة والمحبة والإيثار بين الناس كافة
, دون استكبار أو تعالٍ أو جبروت , يُراد منه إذلال الناس وسحق كراماتهم دون رحمة أو شفقة …
وجعل القطب , الأهم الذي يتمسك به المسلمون ويلتفون حوله , طواعية , هو الاعتصام المتين بحبل الله عز وجل , وقد جاء هذا الأمر الإلهي الصريح في القرآن الكريم , بقوله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) صدق الله العظيم .
والتفرّق بصورة عامة , يشمل التفرّق بسبب (المذهبية) وقد انبثقت هذه المذاهب الإسلامية من أصول واحدة , هي كتاب الله وسنن نبيّه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي هذا السياق .. فإن المسلمين أمة واحدة, لهم أصول راسخة تجمعهم ومبادئ غير قابلة للخلاف منذ بزوغ أول أيام فجر الإسلام , ولهم أهداف مشتركة في هذا الكون, تدور حول الدعوة بالموعظة الحسنة..
وبالكلمة الطيبة, والأمر بالمعروف والإحسان والنهي عن القبيح والمنكر واحترام كل فريق للآخر
, أي حول سلامة العقيدة وصفاء السريرة , وتقويم السلوك الحياتي للناس والشعوب,وصولاً إلى حالة وجدانية مواكبة للتقوى والصلاح .
وهذا يستوجب ألا نسمح لصغائر المسائل والخلافات الفرعية بأن تفرّقنا وتمزّق بشراسة وحدتنا الإسلامية
وتشحن القلوب بالكراهية والبغضاء , وصولاً إلى تكفير (الآخر) دون وجه حق … أو مسوّغ عقائدي .
ومن المؤسف .. أن هناك أناساً لا يتّقون الله في دينهم وفي أمتهم , أطلقوا إشاعات وغيوماً سوداء داكنة
بحق فئات أخرى من المسلمين , كادت تكون السبب في تمزيق الشمل وحشو الرؤوس بطائفة من الأباطيل والضلالات و الخرافات , تجاه أخوة لهم يعتنقون الدين الإسلامي .
وهذه الظاهرة خطيرة .. عادت من جديد , وبقوة , من خلال الأسرة السعودية الوهابية , التي تعمل بصورة محمومة , بل جنونية , إلى إحداث فتنة عظيمة هوجاء في العالمين العربي والإسلامي, تنفيذاً لوصايا وتعليمات كتاب: (بروتوكولات حكماء صهيون) ولاعتقادهم بأنهم يضمنون في حربهم المذهبية استمرار حكمهم اللاشرعي وعيشهم الرغيد , ولكنهم أخفقوا في مسعاهم الخبيث الشيطاني , نتيجة للوعي الإسلامي العميق وتحقيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من (أن المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحّمى).
ولم يقف الأمر عند آل سعود وحدهم .. فإن الاستعمار الأجنبي يعمل منذ مدة طويلة .. أن يجد ثغرات هامشية ينفذ منها إلى تمزيق وحدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها , ويبعث بين مكّونات الشعوب العداوات والكراهية وتبادل الاتهامات … ولكن وعي الشرفاء والمخلصين من علماء المسلمين في معظم الدول , الذين لم يبيعوا دنياهم بدينهم فوّت هذه المؤامرة الماكرة المنسوجة بدهاء , وذكَّر هؤلاء العلماء الأجلاّء بكلمات الله (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) صدق الله العظيم .
وخلاصة القول : علينا كمسلمين الاتحاد والتضامن في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية الحقيقية
, دون تزمّت أو تعصّب مذهبي مقيت , لا يعود بالخير على المسلمين أينما وجدوا .
وكذلك عدم الانسياق غريزياً وراء من يخطط في الغرف السرية لتشويه سمعة الإسلام , من خلال الجرائم والفظائع التي ترتكب في منطقتنا , وبمرأى من العالم , على أيدي الظلاميين التكفيريين
الذين استلهموا أفكارهم المشوّهة , من البدعة الوهابية الغارقة بسفك دماء المسلمين منذ ظهورها وحتى يومنا هذا .
ومن نعم الله سبحانه وتعالى على العرب والمسلمين أنه لم يخلُ جيل أمتنا من علماء ودعاة يدعون إلى الوعي واليقظة الفكرية والروحية ويعملون من أجل الوحدة الإسلامية الحقيقية , بهدف إخماد الفتن الطائفية ,وتثبيتها لدعائم الدين القويم ومقوّمات العزّة والرّقي : (ولله العزّة ولرسوله والمؤمنين)
د. حسين راغب