إن المصالحة كمشروع مجتمعي طويل الأمد تعني إنجاز توافق وطني بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع حول خطة شمولية ومتكاملة، محددة، ودقيقة، تسترشد بالمبادئ الأساسية المستخلصة من تجارب فض النزاعات بالطرق الهادئة وتخضع لمضمون القانون الدولي وإجراءاته الملزمة والآمرة للدولة والتطبيقات الفعلية للمفهوم – وحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية- فإنها تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تشمل وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والتحقيق في الجرائم الماضية وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ومعاقبتهم وتعويض الضحايا ومنع انتهاكات مستقبلية والحفاظ على السلام الدائم والترويج للمصالحة الفردية والوطنية
بالنظر إلى الحالة السورية والمصالحات التي تجري في حمص ودمشق وحلب ….الخ فإن المصالحة تتم بتسليم المسلحين التابعيين للمجموعات الإرهابية لأسلحتهم الثقيلة – والتي لا يمكن لهم نقلها إلى مناطق رحيلهم- مقابل خروجهم دون أي محاسبة لما ارتكبوه من عمليات تخريب وقتل للمواطنين ولأفراد الجيش العربي السوري أضافة إلى أنهم قد يكونوا غير سوريين ويتم نقلهم إلى مناطق على أراضي الجمهورية العربية السورية ليتعابعوا إرهابهم
من المؤكد أن هذه الطريقة بتحرير الأراضي من نجس الإرهابيين يوفر على القوات السورية المهاجمة عدة وعتاد وأرواح كما تحمي أملاك المواطنين والأملاك العامة من التدمير الذي قد يحصل نتيجة الاشتباكات التي ستحصل بين الجيش العربي مع المجموعات الإرهابية لكن هذا الأمر يفرز لدينا مفهوم جديد للمصالحة وهي أنها عملية تفاوضية تتم بين ممثلين عن الدولة من جهة والمسلحين من جهة أخرى عبر وجهاء اجتماعيين ودينين بمساعدة المجتمعات الأهلية ورؤوس أموال يتم بموجبها استعادة الدولة للسيطرة على المناطق التي دخلتها المجموعات المسلحة في وقت سابق مع إدارتها بشكل حصري عبر مؤسسات الدولة الشرعية وقد عبر وزير المصالحة الدكتور علي حيدر عن ذلك بحديثه لـ “سبوتينك” عن الفرق بين المصالحة والتسوية:
“يجب أن نفرق بين تسويات الأوضاع والمصالحات… المصالحات هي على مستوى المناطق والأرياف والأحياء، وإعادة الدولة إلى هذه المناطق… التسويات قد تحدث على المستوى الفردي، قد يكون هناك أشخاص الذين وضعهم بعيد عن المصالحة على مستوى الوطن”
وأكد الدكتور علي حيدر أن المصالحة التي تسعى التي الحكومة لإرسائها لا تتمثل بهذه العملية التي تنتهي بأخراج المسلحين بالطريقة السلمية بمن بعض المناطق بل هناك مراحل أخرى تنتهي بإقامة حوار شامل يرسي مبادئ المصالحة الشاملة حيث أكد في حديثه لـ “الوطن” أن : >> ما يحصل اليوم هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي تستطيع الدولة أن تفرضها على منطقة من المناطق. هذه الإجراءات تبدأ بعناوين رئيسة أولها جعل هذه المنطقة آمنة ومطمئنة للأهالي للعودة إليها وإعادة مظاهر الدولة وتأمين كل الخدمات لها، ومعالجة العديد من الملفات التي طالت أبناء المنطقة في فترة العنف والإرهاب الذي طال المنطقة لجهة الموقوفين والمخطوفين والمفقودين والبنية التحية والدمار الذي حصل في المنطقة ومن غرر به وحمل السلاح وبالتالي ذهبنا معه إلى تسوية أوضاعه<<
ولكن وفي نهاية المطاف لا يمكن التعايش مع سلاح خارج إطار السلاح الشرعي وهو سلاح الجيش العربي السوري وبالتالي لا مناص من محاربة الإرهابيين الغير سوريين المتواجدين على الأرض السورية وهذا يتطلب وقف الدول الداعمة للإرهابيين بإرسال السلاح والمقاتلين هذه الدول التي تسعى إلى تعطيل المصالحات كما حدث في برزة والقابون وجوبر فبعد أن قطعت الدولة أشواطا في اتجاه المصالحة توقفت بسبب استهدافها من المجموعات المسلحة
وهنا يبرز الدور الدولي في طريق إنجاح هذه المصالحات وتعميمها على جميع مناطق الجمهورية العربية السورية ومن ثم الانتقال إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة التي تقوم على الحوار بين جميع السوريين بجميع أطيافهم وأعراقهم
ولا بد من التأكيد على دور الجيش العربي السوري في التسريع في تحقيق مثل هذه المصالحات فتقدم الجيش يجبر المسلحين على التسريع في الموافقة على شروط الدولة في الخروج مقابل المحافظة على حياتهم ومماطلة بعض المجموعات المسلحة في تحقيق التسويات العسكرية يأتي في إطار كسب الوقت بهدف تحقيق تقدم ميداني
وبالرغم من تأكيد القيادة السياسية على أنه لايوجد حل عسكري إلا أن تقليص رقعة الصراع العسكري يسهل عزل المدنيين عن الحرب ويرفع من الأسهم السياسية للقيادة السياسية للدولة في المحافل الدولية كما يخفف على الدولة بعض الأعباء الاقتصادية والاجتماعية ويخفف من أزمة اللجوء الداخلي والخارجي
وأخيراً لابد من النظر بعين الحقيقة إلى أن رغبة بعض المسلحين تسوية أوضاعهم والعودة للعيش في كنف الدولة قد يحمل عدة أوجه فبعضهم عاد لأنه كان مغرراً به فعلاً وأخر عاد خوفا من الوقوف في وجه الجيش والبعض عاد ليعيش بشكل طبيعي ليكون ركن أساسي في إشعال أزمات لاحقة فالأزمة والمصالحات الجارية يمكن أن تفرز كثيرا من الجواسيس والعملاء ليسوا فقط يدينون بالولاء للكيان الصهيوني بل لبعض الكيانات العربية والأقليمية الأخرى التي تسعى سعي الكيان الصهيوني للخلاص من محور المقاومة كما يجب ألا ننسى نظرة المجتمع السوري وخصوصا من تأذى من وجودهم ومن حملهم للسلاح في وجه الدولة فمن فقد قريبا كان يعمل كعنصر في الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له أو في المجازر الكثيرة التي وقعت في كثير من المناطق السورية أو من خسر أملاكه من جراء إرهابهم لا يمكنه تقبلهم والتعامل معهم ببساطة ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن للحوار الشامل الذي أطلقته الدولة أن يغسل قلوب الأمهات الثكالى والنساء الآرامل والأولاد اليتامى أو ببساطة ماهي معاييره في تقدير الشمولية والنجاح أي هل يمكن أن يشمل جميع أفراد الشعب السوري لكي يتمكن من تحقيق التعايش المشترك مع هكذا أشخاص والذين لو ارتكبوا نصف ما قاموا به قبل الأزمة لحكم عليهم بالإعدام حتى الموت