الصين والحرب على سوريا
قوة سياسية وتردد عسكري
تعتبر الصين الشرق الأوسط عامة وسوريا خاصة منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية وأمنية لها. ومنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية منتصف القرن الماضي اهتمت بكين بسوريا باعتبارها الدولة الوحيدة الغير خاضعة لسيطرة الغرب في الشرق الأوسط من جهة، وخط الدفاع الأول عن مصالح الصين في آسيا الوسطى والقوقاز من جهة أخرى. ومنذ عام 2002م التقت أهـداف السياسة الخارجية السورية مع المساعي الصينية الهادفة إلى زيادة نشاطها الاقتصادي في العالم وفي الشرق الأوسط، بعد أن طرح السيد الرئيس بشار الأسد استراتيجيةً تسعى لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل بين الشرق والغرب، عبر ربط البحار الخمسة مـن خـلال سـوريـا.وقد رأت الصين في استراتيجية السيد الرئيس بشار الأسد مشروعاً لإحياء طريق الحرير، يمكن أن يُسهم في بناء منطقة جديدة للتنمية الاقتصادية في غرب الصين، تكون بمثابة جسر يربط آسيا والمحيط الهادي شرقاً بالمنطقة العربية غرباً، وتشكل بذلك أطول ممر اقتصادي رئيسي في العالم، ونمطاً جديداً للانفتاح الصيني
لم تغير الحرب على سوريا من رؤية بكين الاستراتيجية فمنذ بداية الأزمة السورية تلاقت مصلحة الصين مع المصلحة السورية الروسية التي تعتبر التوجهات الأمريكية الناشئة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وهي الطامحة للعب دور دولي أكبر يكون مناسباً لقوتها الاقتصادية والعسكرية الصاعدةحيث تجاوز الموقف الصيني من الأزمة السورية حدود عدم الرضا عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى الموقف المباشر والمعارض لتلك السياسة بشكل علني، بعدما استخدمت الصين حق الفيتو للاعتراض على مشروعات القرارات الدولية التي تحمل طابع تدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية. الفيتو الصيني الذي عُدّ تطوراً نوعياً مهماً ليس فقط في أسلوب تعامل الصين مع منطقة الشرق الأوسط الغنية بموارد الطاقة الضرورية للمحافظة على نموها الاقتصادي المتسارع، وإنما أيضاً في نظرة بكين إلى دورها الدبلوماسي والسياسي على الساحة العالمية حيث يعد موقف الصين من الأزمة السورية ، بداية لبروز لاعب جديد في الشرق الأوسط ، بما يؤكد رغبة بكين في لعب دور دبلوماسي وسياسي عالمي يتناسب مع تنامي قدراتها الاقتصادية والعسكرية
وقد أكدت بكين على ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية ورفض أي تدخل خارجي عسكري ورغم أن الصين تبنت قبل حوالي ثلاثة أعوام ما يعرف “بالمبادئ الخمسة” للتعايش السلمي، القائمة على الاحترام المتبادل لسيادة الدول وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورغم أنها ظلت لفترة طويلة تتغنى بموقفها الثابت من الصراعات الإقليمية والدولية القائمة على استراتيجيتها العسكرية التي نشرتها في يونيو عام 2014 المعروفة بـ <<الكتاب الأبيض»،والذي ينص على أن “الصين لن تهاجِم مالم تهاجَم”فقد قالت وكالة “شينخوا” الصينية أن مسؤولا عسكريا صينيا وهو الأميرال “غوان يوفي” مدير قسم التعاون الدولي في اللجنة العسكرية المركزية الصينية زار دمشق ووعد بتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية للحكومة السورية بما في ذلك توسيع برنامج تدريب الجيش السوري.
وتابعت الوكالة الصينية الرسمية أن تقديم هذه المساعدات يعد خطوة جديدة تقدم عليها بكين تعزيزا لدورها في الشرق الأوسط، ونقلت الوكالة عن الأميرال قوله خلال زيارة لدمشق، إن بكين تدعم نضال سوريا في الدفاع عن استقلالها وتريد علاقات عسكرية أوثق مع سوريا، وأردف قائلا: “يرتبط جيشا الصين وسوريا تقليديا بعلاقات ودية ويريد الجيش الصيني مواصلة تعزيز التبادل والتعاون مع الجيش السوري”.وقالت وكالة “سبوتنيك”: إن الصين تبنت قانون يُجيز للقوات المسلحة إجراء عمليات مكافحة الإرهاب في الخارج، وهو الأمر الذي يجعل العديد يتوقع أن تكون هناك احتمالية تدخل الجيش الصيني في سوريا، بمعنى أنه أمر غير مستبعدخصوصاً بعد أن تلقى الصينيون – معلومات من من روسيا وإيران وسوريا عن المقاتلين الأويغور المنضوين في الحزب الإسلامي التركستاني وتنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا الأمر الذي قد يدفع الصين لتطوّر استراتيجية خاصة للمنطقة، من أجل احتواء مصادر تهديد مُتزايدة من الانفصاليين الأويغور.سيتم التعبير عنه من خلال تنسيق الاستخبارات وتبادل المعلومات بشكل أكبر وأفضل بين البلدين، إضافة إلى زيادة المُساعدات العسكرية للجيش السوري وتطوير التعاون معه ومع ذلك فإن الصين لم تعلن بشكل رسمي رغبتها في التدخل العسكري المباشر في سوريا
وعلى الرغم من كون الصين تعتبر القوة العسكرية والسياسية الأبرز من بين الدول الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، فقد كانت الدولة الوحيدة التي تغيبت عن الحرب ضد تنظيم الدولة، ونأت بنفسها نسبيًا عن سياسة التحالفات التي تعتمدها روسيا والولايات المتحدة في سوريا والعراق ويمكن تبرير ذلك في عدة أسباب فالعلاقات العربية والشرق أوسطية مع الصين توسّعت إلى مايتعدّى القضايا السياسية البارزة. فأكثر من نصف صادرات الطاقة من الخليج يذهب إلى شرق آسيا ، كما أن السعودية وقّعت اتفاقات هامة في مجال الطاقة مع الصين وغيرها من الزبائن الشرق آسيويين. بالتالي، هذه العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تصبح أكثر تنوّعاً،فضلاً عن أنها استراتيجية إلى حدّ كبير في قطاع الطاقة، كما أن الصين تحاول أن تكون شريكاً فاعلاً في المبادرات متعددة الأطراف. فالبحرية الصينية – مثلاً – تشارك في الدوريات الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب من أجل مكافحة القرصنة حول الصومال. وهذه الدول نفسها التي تقوم بإرسال المال والسلاح والمقاتلين لتدمير الدولة السورية وقتل حضارتها وتهجير أهلها
والسؤال المهم إلى أي حد يمكن للصين المحافظة على سياستها الشبه حيادية وخصوصا بعد عودة قضية شبه الجزيرة الكورية إلى الواجهة واحتدام الصراع بين واشنطن وبيونغ يانغ فالهدف الاستراتيجي الذي جرى التعبير عنه من قبل الطرف الأميركي المتمثل بالتحول نحو جبهة الهادئ الآسيوية، رأت فيه الصين محاولة أميركية لمزاحمة نفوذها في تلك المنطقة، لترد الصين من خلال توجهات تخلق فرص مساومة لبكين، كالموقف من الأزمة السورية والعلاقات مع طهران. وعليه فإن الصين وروسيا في خندق واحد والعلاقة بينهما مبنية على تقاطع مصالح حقيقية وقد نجح هذا التحالف الصيني-الروسي مع إيران في دعم صمود الدولة السورية في كسب لعبة عض الأصابع مع المجتمع الدولي.
حسين راغب