تتيح مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التواصل بين الأفراد في بنية مجتمع افتراضي، يجمع بين أفراده اهتمام مشترك، ويتمّ التواصل بينهم من خلال الرسائل، والاطلاع على الملفّات الشخصية، والمعلومات التي يتيحها الفرد للعرض.
وكان أول ظهور لمواقع التواصل الاجتماعي في أواخر القرن العشرين، وتم فتح العديد من المواقع التي انتشرت انتشاراً واسعاً في العالم وجمعت الملايين من المستخدمين، وكان أشهرها موقع “فيس بوك” الذي ظهر في أواخر عام 2003م، وبلغ عدد مستخدميه 1.39 مليار نهاية كانون الأول/ديسمبر 2015م.
أما موقع “توتير” والذي ظهر عام 2006م، فقد بلغ عدد مستخدميه النشطين شهرياً في الربع الأول من عام 2015م حوالي 302 مليون مستخدم، بزيادة قدرها 16 بالمئة مقارنةً بالربع الأخير من العام السابق، والذي بلغ عدد المستخدمين النشطين فيه 288 مليون مستخدم،
ومن خلال الملفّات الشخصية التي يعرضها مستخدمو تلك المواقع يُمكن التعرّف على اسم الشخص والمعلومات الأساسية كجنسه وعمله وميلاده وبلده واهتماماته.كما يمكن إنشاء صفحات عامة، تمكن من الحصول على المعلومات أو الكتب والمراجع، وكذلك تساعد على نشر قضية ما، وتحريك الرأي العام حولها.
وقد تزايدت معدلات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بين المواطنين ودخولها كمنصة للتفاعل الاجتماعي بين الاصدقاء او الزملاء ووسيلة للتعارف مع الاخرين ، وهو على قدر ما كان له اثار ايجابية فقد بيّنت بعض الدراسات التربوية والاجتماعية أن من إيجابياتها السرعة في تبادل المعلومات، كما أنها تساعد طلاب العلم والباحثين، وتساعد على إيجاد فرص عمل، وتساعد على تكوين رأي عام.كما أن لها دوراً اقتصادياً، واجتماعياً، فقد أسهمت في ظهور صحافة المواطن، وقوّت من قدرة المواطن العادي على التعبير عن آرائه وأفكاره. وغير ذلك من الإيجابيات الكثيرة. الا ان الاثار السلبية بدأت تتصاعد وبخاصة في مجال التأثير على المنشآت العسكرية وحياة الجنود داخل القوات المسلحة او الشرطة ، ليقدم صيدا ثمينا من معلومات خاصة وسرية حول الجنود او المنشأت العسكرية بما يعرض الامن القومي للخطرحيث تجاوزت كاميرات العدو يافطة “ممنوع الاقتراب والتصوير” لتصل إلى مراكز قيادة العمليات ومراكز البحث السرية إضافة إلى سلبياتها الاجتماعية كإضاعة الوقت، ونشر الأفكار الهدامة والأكاذيب، وانتهاك خصوصية الآخرين، بالإضافة إلى فوضى المعلومات، وإدمان الإنترنت، عدا عن فقدان الشعور بالواقع والانغماس بواقع افتراضي بعيد عن الحقيقة.
وقد أدى الانتشار الهائل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلى إحداث “ثورة كبرى” تترك تأثيراتها على كافة جوانب الحياة، ومن بينها الأمن الوطني للدول الذي أصبح يواجها تحديات وتهديدات جديدة، بحيث توسع مفهوم الأمن الوطني ذاته ليتجاوز نطاق مواجهة التهديدات العسكرية وضمان حماية الوطن ووحدته وسلامة أراضيه وسيادته، إلى مجالات أخرى تشمل الاستقرار السياسي والاقتصادي والانسجام الاجتماعي وسلامة البيئة.من خلال العلاقة بين التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وبين الأمن الوطني، وهو ما اتضح أيضاً في ذلك التفسير الذي بررت به وزارة الداخلية المصرية قرار مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي الذي ظهر إلى العلن في أواخر شهر مايو 2014، عبر مشروعٍ أطلق عليه “رصد المخاطر الأمنية ومنظومة قياس الرأي العام”، باعتبار ذلك وسيلة لمراقبة الصفحات المشبوهة التي تنتمي إلى جماعات إرهابية أو جماعات تحرض على العنف، وملاحقة القائمين عليها، ومعرفة مصادر تمويل هذه المجموعات وقياداتها.
حيث يعتمد الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد وفي التواصل بين قيادات هذه التنظيمات، وبينها وبين عناصرها، بنسبة قدرها بعض المتخصصين بـ 90% من وسائل التواصل المستخدمة، لاسيما في ظل الانتشار الجغرافي الواسع لهذه التنظيمات، وتوزع الأفراد المستهدفين بالتجنيد عبر أنحاء العالم. وأصبح شائعاً وجود حسابات لتنظيمات إرهابية على موقع تويتر، بالنسبة لجماعة “بوكو حرام” النيجيرية – على سبيل المثال – حساب على تويتر يتابعه آلاف المشتركين، وينطبق الأمر ذاته على حركة طالبان في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال.
وتستخدم التنظيمات الإرهابية أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي كقناة لتبادل الخطط والمعلومات حول تصنيع القنابل والمتفجرات ومهاجمة المواقع المستهدفة. وباتت المراحل الأولية للتجنيد تتم من خلال “التغريدات” على تويتر والحوارات عبر نظام جوجل بلاس، حيث يتم استقبال العديد من الرسائل عبر صندوق الرسائل الخاصة، أو إرسال هذه الرسائل إلى أشخاص يظهر ميلهم إلى المشاركة في “الجهاد”
كما برزت أشكال جديدة من الجرائم المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، منها: الابتزاز الإلكتروني والتهديد والتشهير بالآخرين والقرصنة المالية، وذلك بفعل تخلي بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عن الحذر اللازم وسهولة الحصول على بياناتهم الشخصية.
وقد نشرت صحيفة “التليجراف” البريطانية يوم 5 يونيو 2012 تقريراً عن الجرائم المرتبطة بموقع فيسبوك، جاء فيه أن “بريطانيا وحدها شهدت في عام 2011 حدوث 12,300 جريمة وفقاً لبيانات الشرطة البريطانية، بمعدل جريمة واحدة كل 40 دقيقة، من بينها جرائم قتل واغتصاب وانتهاك أطفال جنسياً واعتداء وخطف وتهديد بالقتل وتخويف واحتيال”. وتفرض هذه الجرائم التي يلعب الضحايا دوراً في تسهيل وقوعها تحدياتٍ على الأجهزة الأمنية المعنية، وتزيد من مخاوف المجتمع وشعوره بافتقاد الأمن والأمان، حيث تواصل الضحايا مع الجناة على الفيس بوك بالدرجة الأولى
ويمكن الإشارة إلى إمكانية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي سلبياً على أمن المجتمعات إلى الحد الذي قد يصل إلى انتشار العنف الداخلي، من خلال التهديد بعدم الانسجام الاجتماعي والثقافي، حيث يمكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشر ثقافات وتوجهات وأفكار لا تنسجم مع قيم المجتمع، وربما تعارضها كلياً، خصوصاً بالنسبة لفئات الشباب وصغار السن الذين قد لا يملكون حصانة كافية ضد التأثر بهذه الأفكار، ما قد ينتج عنه اغترابهم عن المجتمع وتباعد المسافات بينهم وبينه إلى درجة قد تصل حد العداء أو القطيعة، بحكم قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على إقامة عالم افتراضي بديل.
ولا ينفصل عما سبق إمكانية زرع الشقاق بين مكونات المجتمع، فقد مكنت وسائل التواصل الاجتماعي بعض التجمعات القائمة على روابط طائفية أو جماعات معادية للدولة في تعميق الشقاق بين مكونات المجتمع الواحد والدولة الواحدة. كما يمكن لانفلات الخطاب، وافتقار كثير من أعضاء هذه الجماعات إلى الوعي والضبط أن يثيرا الحساسيات والتوترات الطائفية والدينية والقبلية، ويعمقا من الصدوع القائمة بالفعل على نحو ربما يهدد التماسك الوطني ويضعه أمام مخاطر جدية.
بصورة عامة، تلجأ كثير من الدول إلى وضع تشريعات وضوابط تحكم نشاط المشتركين في هذه المواقع، وهو ما يستتبع عادة انتقادات من مؤسسات دولية تدافع عن حرية التعبير والنشر، بما يضر بصورة الدولة في ظل ما رسخته العولمة من موقع مؤثر لقضايا حقوق الإنسان في تقييم دول العالم المختلفة.
وقد أشارت اللجنة الفرعية الخاصة بمكافحة الإرهاب، المنبثقة عن لجنة الأمن القومي الأمريكية، إلى هذه الإشكالية، ففي تقريرها الصادر في ديسمبر 2011، تحت اسم “الجهاديون واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف يمكن مكافحة الارهاب؟”، تم التطرق إلى أن إغلاق المواقع والمنتديات الخاصة بالجهاديين ليس حلاً، لأنه يمكن استحداث آلاف غيرها من المواقع، ولكن أشار التقرير إلى أن الرقابة على هذه المواقع وتتبعها هي الوسيلة الأفضل، حيث يمكن من خلال الرقابة الوصول إلى العناصر الإرهابية والقبض عليها، وهو الأمر الذي تقوم به الصين على سبيل المثال.
وقد لجأت الحكومة الأمريكية إلى جهود من نوع آخر على وسائل التواصل الاجتماعي، تتمثل في الاشتباك الفكري عبر هذه المواقع مع الجهاديين لمناقشة حججهم أمام المتعاطفين معهم، في محاولة لتفكيك الخطاب الجهادي ودحضه، إذ ترى الولايات المتحدة في هذه الطريقة “سلعة” مهمة فيما أطلقت عليه “سوق الأفكار” على الإنترنت، والتي تُطرح فيها أحاديث الفكر الإسلامي والحث على الجهاد.
بالمقابل ذكر الباحثون جملة من التوصيات للحفاظ على أمن المعلومات الشخصية ، منها: استعمال كلمة مرور قوية (لا تقل عن 8 رموز وأرقام وحروف)، عدم حفظ كلمة المرور على الحاسوب، مشاركة الملفات عبر الشبكة وليس عن طريق الحاسوب، تشفير الملفات الهامة ورسائل البريد الإلكتروني الهامة. استخدام حسابات وهويات مختلفة أو أسماء مستعارة مختلفة للحملات والأنشطة المختلفة. عدم توحيد الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، فقد يكون الفرد مجهولاً في موقع ما ومكشوفاً في آخر. عدم الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي لتكون المستضيف الأساسي في تخزين الملفات أو المعلومات، وغير ذلك من تدابير الأمان.
حسين راغب