دور المرأة في ظل الأزمة السورية
يخطئ من يعتقد أن المرأة الحلقة الأضعف في الأزمات، فقد أثبتت المرأة السورية أنها العامل الأقوى
في الصمود والتصدي في ظل الأزمة والظروف التي نمر بها، فهي علّمت العالم معنى الصبر والعطاء
من أجل الوطن وعزته وسيادته وكرامته، وسجلت في التضحية مواقف قلّ نظيرها في المجتمعات كلها، وهذه المواقف ليست بجديدة على المرأة السورية التي تستمر كل يوم في بناء الوطن حيث استمر دورها يتنامى ويتصاعد بفضل الإرادة السياسية التي أعطت المرأة كل الرعاية والاهتمام ودعمت مسيرتها وقدرت عطاءها، وجعلتها شريكاً أساسياً في صناعة الأحداث وفي كل مواقع صنع القرار.
فقد أكدت المرأة السورية للعالم أجمع في ظل الأزمة التي تعيشها سورية، أنها النموذج المقاوم لقوى البغي والظلام التي تود سحقها، فهى كعادتها تقاوم بكل ما لديها من وسائل وأساليب رغم الآلام والجراح التي تعصف بها، فمنهن من رأت بأم عينيها كيف فقدت أبناءها وفقدت عائلتها وبيتها الذي كان يأويها واستمرت برغم كل جراحها بالقيام بدورها الأساسي الفاعل والواضح والمهم في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى في الحياة العسكرية على الأرض.
وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في الحياة الاقتصاديّة في ظل الأزمة السورية لم تكن سهلة ميسرة، لكنّها ليست معدومة أو ضعيفة أيضاً، فقد أظهرت السنين الخمس الماضية قدرات النساء السوريّات وارتباطها بحاجات المجتمع المتجدّدة، كما بيّنت أدوراً جديدة للمرأة على الصعيد المهني.
فقد اضطرّت بعض النساء وبعد فقدان معيل العائلة إلى العمل، الأمر الغير مألوف لدى بعض العائلات السوريّة قبل اشتداد الأزمة ، إلّا أنّ تردّي الوضع المادي للعائلة، جعل من باقي أفراد الأسرة يوافقون
على خروج بناتهم وأخواتهم للبحث عن عمل يساعد في تأمين حاجيات الحياة المتزايدة والمتسارعة في ظل غلاء الأسعار , حالهم حال بقيّة الأسر التي لم تفقد معيلها، إلّا أنّ انخفاض قيمة الليرة السوريّة، كان بمثابة أمر واقع فُرض عليهم، دفع بالمرأة إلى البحث عن عمل ، يسمح للعائلة بزيادة الدخل الذي فقد قوته الشرائية بشكل ملحوظ.
وحسب مؤشرات البنك الدولي فإن معدّل توظيف الإناث بين عمر ال15 عاماً وحتى ال 24 عاماً انخفض بشكل ملحوظ مع بداية الأحداث الجارية في سورية حيث وصل في عام 2014 إلى 3 % فقط، وقد يعزا هذا الانخفاض إلى انخفاض معدلات التوظيف ، بسبب تردّي وضع الشركات والمؤسسات والمعامل وإغلاق العديد منها.
لكن وكما واقع الحال في السنوات الأخيرة من الحرب، نجد أنّ بعض الشركات والمؤسسات يفضلن توظيف النساء على الرّجال، بسبب “الخدمة الإلزامية” المفروضة على الذكور ، وما يترتب على ذلك من السفر
أو الالتحاق بالجيش، ما يترك شواغر وظيفيّة كثيرة، فيلجأ صاحب العمل إلى توظيف شابات تفضيلاً منه للاستقرار , وفي ذات السياق نجد أنّ الشركات الخاصة تعمد إلى إعطاء راتب أقل للفتيات في بعض الأحيان، مستغلّة الحاجة التي تدفع المرأة للعمل، وقلّة الوعي بمستوى الرّاتب الشهري الّذي يمكنها
الحصول عليه.
وإذا ما أمعنا النظر بواقع المرأة في الحياة السياسية نجد خطوات هامة أنجزت وخطوات أهم ما زالت بالانتظار, فمنذ أن أصبحت المرأة متساوية مع الرجل في حقها بالانتخاب والترشح وممارسة العمل السياسي بشكل عام حصلت تغيرات جوهرية على واقع المرأة السياسي ,إذ يوجد اليوم العديد من النساء في المجالس البرلمانية والإدارية وكذلك في المناصب التنفيذية العليا “الوزارات” , وهذه الظاهرة في ارتفاع متزايد , ما يدل على قدرة المرأة على المشاركة والفعالية في كثير من الأحيان, لما تتضمنه هذه المشاركة من انعكاسات إيجابية على المرأة والمجتمع, حيث إنه لا يمكن أن يكون هناك تنمية سياسية متكاملة دون مشاركة فاعلة
من هذا القطاع المهم. ولا تزال قضية المرأة تلقى كل الدعم والتأييد على مختلف الصُعد، وأكبر دليل
على ذلك وجود المرأة في مواقع القرار والمسؤولية العليا واليوم في ظل الأزمة الحالية التي يمر بها وطننا يبرز دور المرأة الفاعل في الحل الاجتماعي الذي طرحه السيد الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير
في دار الأوبرا بدمشق، حيث يمثل الحل الاجتماعي وسيلة لتحصين الوطن والعودة إلى روح الوحدة الوطنية، المرأة السورية هي محور هذا الحل لأنها الأم ولأخت والزوجة، ولها الدور الرئيسي في استيعاب التغيرات الحاصلة على ساحة الوطن، علينا أن لا نتجاهل دورها لأنها العامل المحفز لعودة أبناء الوطن
إلى رشدهم، المرأة السورية وعبر التاريخ كانت الرافعة الأساسية للتنمية من أجل النهوض بواقع امتنا والحفاظ على سيادة وطننا، وليكن شعارنا في المرحلة القادمة وعبر المجتمع المدني يد تنبي ويد تربي.
وقد عقدت كثير من الندوات والمؤتمرات تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتفعيل وتعزيز دور المرأة في الحياة الاجتماعية من جهة محاربة التطرف الفكري والديني الذي يمكن أن يلحق بها وبأطفالها وبأسرتها وقد أكدت جميع هذه الندوات على أن المرأة هي الفاعل الأساسي في محاربة الفكر العدواني
هذا الفكر الذي أوصل بشكل دراماتيكي متسارع البلاد إلى حالها وبالتالي فالمرأة هي خط الدفاع الأول
في محاربة الفكر القاتل الذي يمكن أن يعبر الحدود لتدمير سوريا.
ولم تكن المرأة السورية بعيدة عن الحياة العسكرية وعن المشاركة المباشرة في ساحة المعركة جنبا إلى جنب مع الرجل لتطهير الأرض السورية من رجس المجموعات الإرهابية المرتزقة وقد انتشرت كثير
من الأسماء التي حققت شهرتها التي كان لها الأثر الواضح في تحقيق المعجزات العسكرية كالقناصة
زينب التي قتلت قائد جيش أحرار الشام في منطقة باب عمر في حمص والمقاتلة سمر التي قالت أعتقد
أن المسلحين يخافون منا أكثر من الرجال، لأنهم يعتقدون أنهم سيذهبون إلى جهنم إن قُتلوا بيد امرأة”.
وتشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 10 آلاف فتاة تطوعت منذ عام 2013 بفصائل متعددة تقاتل
إلى جانب الجيش العربي السوري، وهدف المتطوعات هو محاربة أي جماعة تهدد المناطق الآمنة المأهولة بالسكان ورغم أن وجود النساء أمر شائع في صفوف الجيش السوري فإن تشكيل وحدة نسائية فقط أمر
غير معتاد في العالم الإسلامي.
هذا بالإضافة إلى النساء اللواتي بقين في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات الإرهابية لنقل المعلومات إلى الجيش العربي السوري والتي انتشرت قصصهن على ألسنة أفراد الجيش اللذين شاركوا في معارك التطهير في حلب وريف حماه والرقة ومنطقة الباب ودير الزور.
لكن بالمقابل تعرضت المرأة السورية لكثير من المآسي فحالة العبودية والسبي التي تعرضت لها المرأة السورية في مناطق الإرهابيين وتقييد الحريات والعودة بها إلى ما قبل الإسلام والقتل والاغتصاب
والبيع والشراء تحت شعارات وحجج واهية إضافة إلى النزوح والعيش الذليل في خيم الموت
والحالة المعيشة المتردية والتشويه الإعلامي الذي أثقل كاهلها.بالإضافة إلى الأمهات اللواتي قدمن
فلذات أكبادهن دفاعا عن هذا الوطن واضطررن إلى تحمل دور الأب والأم.
وكما يبرز دور المرأة السورية في هذه الأزمة فاعلا وليس منفعلا والأم السورية صامدة وصابرة وتقدم أبناءها شهيدا تلو الآخر وتفخر بشهادتهم وتنتظر النصر المبين إلا أنه في مرحلة البناء و الإعمار ستكون شريكا حقيقيا فيها باعتبارها الركيزة الأساسية في مجتمعها وبالتالي يجب تمكين تكامل العمل الأهلي مع بقية القطاعات لتمكين المرأة في جميع المجالات وتعزيز وعيها بحقوقها وواجباتها لتكون شريكاً فاعلاً في بناء المجتمع ونهوضه وتربية أبنائها على المواطنة الصالحة والتشاركية.
وأخيرا لا بد من التأكيد على أن ما تصنعه المرأة السورية اليوم لا ينفك عن سجل حافل من التاريخ النسائي المشرف فإن ما قدمته عبر العصور والتاريخ والحضارات الإنسانية صوراً رائعة وخالدة من البطولات والتضحيات في ظل التقاليد والأعراف السائدة في المجتمع متحدية الظلم والاستبداد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي وقع عليها فالمرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها ، و المرأة السورية اليوم
التي واجهت الإرهاب والتحديات بصمودها الجبار وكانت قدوة لجميع نساء العالم وواجهت الإرهاب بالفكر النير تعتبر مدرسة لنساء العالم بصمودها ومقاومتها وتؤكد أن عشتار ماانفكت تولد كل يوم في سوريا لتكون كل يوم منارة للعالم أجمع.
حسين راغب