الفساد في المساعدات الإنسانية المقدمة في سوريا
ليس خافيا أن الأزمة السورية أدّت إلى مآس لا حصر لها، طالت الإنسان قبل أن تطال البلد وبناه التحتية وحاضره ومستقبله. وأثّرت على البنية المجتمعية السورية. وهذا التدمير الواسع الذي طال البنية السكانية السورية، ترافق مع تدمير مشابه تماما للبنية الاقتصادية، حيث تراجع النشاط الاقتصادي في بعض القطاعات لما يُقارب الصفر، إضافة إلى تبديد معظم الثروة الوطنية مما دفع المنظمات الإغاثية والطبية والإنسانية لتضع مخططات وبرامج لإعانة السوريين ولكن وبعد خمس سنوات من الأزمة السورية الشاملة، وفي ظل ازدياد عدد الشرائح الاجتماعية التي تحتاج إلى مساعدة، وهي بأمس الحاجة إليها، خاصةً أن الإحصاءات والمؤشرات كلها تدل على أن أكثر من نصف الشعب السوري أصبح بحاجة ماسة إلى هذه المساعدات، فقد كثرت شكاوى المواطنين على إدارة التوزيع وعلى أساليب التوزيع وطرقها وشروطها ، فالفساد في توزيع هذه المساعدات والتلاعب بها أصبح حديث الجميع، والخطير في الأمر أن الفساد في حالة العمل الإغاثي الذي يصيب المنظمات يقوض سمعتها ويعطلها عن تأدية دورها ويحرم في النهاية الإنسان المستهدف من الحصول على الإغاثة الموجهة له، كما يضعف ثقة المتبرعين بالعمل الإنساني وأهميته، ومن هنا تكمن أهمية محاربته ومواجهته بكل السبل الممكنة لضمان استمرار العمل الإغاثي الإنساني وتطويره. فكلنا يرى بأم العين كميات هائلة من هذه المساعدات المقدمة للشعب السوري تباع على الأرصفة، وفي المحلات التجارية وبشكل مكشوف، عن طريق وسطاء فاسدين جنوا الملايين من وراء سرقة هذه المساعدات بطرق مختلفة، ومنعها عن آلاف العائلات المحتاجة، والتي تعاني الأمرين لتأمين لقمة عيشها، التي أصبحت شبه مستحيلة عند الغالبية الساحقة من السوريين.
ويتحدث كثير من الناس عن غياب الرقابة على توزيع المعونات واختلاف الكميات والأرقام المسلمة لأصحابها عن ماهو معلن واختلافها من جمعية لأخرى ومن ومنطقة إلى أخرى أضف إلى ذلك عدم وجود وضوح في شروط التسجيل على المعونة لدى الجمعيات والمؤسسات المسؤولة عن التوزيع ويترك التسجيل إلى مدى رضا الموظف المسؤول على المكتتب وعلى درجة قرابته من أحد موظفي المؤسسات فالتلاعب بالمساعدات الإنسانية وتحويلها إلى جماعات غير مستهدفة، وتوزيع موارد الإغاثة مقابل الحصول على شيء ما، والمعاملة التفضيلية لأفراد العائلة أو الأصدقاء في عمليات التوظيف أو الإغاثة ومحاباة الأقارب والمحسوبية، وإكراه أو تخويف أفراد طاقم العمل أو المستفيدين كي يغضوا الطرف أو يشاركوا في الفساد أصبح أمر علني لدى الكثير من هذه الجمعيات بل أصبح عرفاً فيها
وأكثر الأسئلة أهمية والتي تطرح على هذه المؤسسات عن سبب تفشي هذه المساعدات في المحال والأسواق التجارية مقارعةً بأسعارها سعر المواد والسلع المشابهة من غير المساعدات أو أقل منها بشيء لا يذكر وعن سببب الغنى الفاحش لمسؤولي هذه الجمعيات وأقربائهم الذين يحصلون على المساعدات قبل جرحى وعوائل شهداء الجيش العربي السوري وللأسف لا تعتمد الجمعيات والمنظمات الإغاثية السورية، على خبراء أو أصحاب كفاءات علمية وعملية. وتحكم عملها المحسوبيات والواسطة ووصل الفساد في بعضها إلى إقامة مشاريع وهمية، أو تحميل نفقاتهم الشخصية المرتفعة على هذه المشاريع، أو التنسيق مع أكثر من داعم للحصول على دعم مضاعف من جهتين لنفس المشروع، ما أفقدها الكثير من مصداقيتها، وأثّر سلبا على العمل الإغاثي وأدى إلى تقليص الأموال المُقدّمة من الجهات الداعمة.
وهذا يقتضي العمل على أكثر من صعيد لتلافي الثغرات في عمل المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، التي أصبحت جزءا أساسيا من حياة السوريين، ووسيلة وحيدة يعتمد عليها الملايين منهم، وفي نفس الوقت تُخيّب آمالهم وتعمل على عكس ما يشتهون. فمكافحة الفساد في العمل الإغاثي يقوم على مجموعة من الضوابط التي ترتبط بتدريب الموظفين على تطوير مهاراتهم بالمجال الإغاثي وتوعيتهم وإيجاد ميثاق شرف متشدد تجاه الفساد داخل الجمعية وتفعيل التواصل والتنسيق مع الجهات الإغاثية الأخرى بخصوص المشاريع والتبرعات للتحقق مما إذا كانت سجلات المحتاجين موجودة أصلا، ومشاركة المعلومات عنها مع المؤسسات الأخرى (أي التحقق من قوائم التسجيل التي تمتلكها مع الوكالات الأخرى) لتجنب حصول التمويل المزدوج ولاعتماد معايير جغرافية وإدراية على حد سواء، وإشراك فريق يمثل الشرائح المختلفة للمجتمع المتضرر على نطاق واسع في وضع هذه المعايير كما يجب إيجاد اتفاقية مع أهم القوى المحلية المستقلة العاملة على الأرض تتضمن وجود مدونة قواعد السلوك، وتغطي القضايا المتعلقة بالفساد واستخدام الموارد مع الشركاء المحليين، وإدراج الشروط المرجعية الواضحة (المهام، والواجبات والمسؤوليات) والرقابة والتقييم، والتقييم ضمن اتفاقية الشراكة والذي يعبر عنه بمجموعة من القواعد التي تساعد على كشف الفساد فور وقوعه مثل وجود آلية للإبلاغ عن الفساد في داخل وخارج المنظمة تضمن سرية الشخص الذي يبلغ عن الفساد أو التحقق مما إذا كان قد تم استلام كامل الاستحقاقات من خلال عملية الرقابة والتقييم والفصل بين المهام، ما بين الطواقم العاملة في التسجيل، والتوزيع والمراقبة، أيضا الفصل بين الموظفين العاملين على تنفيذ عملية المراقبة الداخلية، وأولئك العاملين على تنفيذ البرنامج و تدوير الموظفين وخاصة العاملين في مجال المراقبة، بحيث تضمن عدم قيامهم بتطوير مصالح أو صلات شخصية مع موظفي البرنامج المحليين أو القوى المحلية ونشر تقارير عن عمل المنظمة على الانترنت بحيث يتمكن أصحاب المصلحة (الموظفين، والمستفيدين، والجهات المانحة والمنظمات الأخرى) من إبداء الاعتراض في حال كانت تلك التقارير غير دقيقة وتحديد ضوابط معالجة الفساد كوجود إجراء مكتوب ومعروف من قبل العاملين في المنظمة عن الخطوات التي سيتم اتباعها عند الإبلاغ عن الفساد من داخل أوخارج المنظمة،كما يجب أن يضمن هذا الإجراء الحفاظ على سرية الشخص المبلغ ونزاهة التحقيق إضافة للمواضيع المتعلقة بالقضايا التخطيطية والتنفيذية حيث جرى ووضع الخطط الاستراتيجية لتطوير العمل الاغاثي والإنساني في سورية والإسراع في انجاز قاعدة بيانات وطنية تمكن الحكومة من إعداد وضع خطط الاستجابة والتي تكون نابعة من الاحتياجات والأولويات الوطنية، بحيث تكون قاعدة البيانات الأساس الموجه لعملية توزيع المساعدات الإنسانية وبما يضمن وصولها إلى مستحقيها في كافة المحافظات والمناطق السورية، مع ضرورة التركيز على أن تكون خطط الاستجابة الإنسانية تحت عنوان الاستجابة الطارئة والتعافي بما يساهم في تحقيق الانتقال التدريجي من التدخل الاغاثي الطارئ إلى التدخل الاغاثي الانتاجي ضمن اطار حلول التعافي الأكثر استدامة مع التأكيد على زيادة التشاركية والتنسيق بين كافة الجهات الحكومية المركزية والمحلية وغير الحكومية والدولية مع قيام كل جهة بالدور المنوط بها وفق ما يتم إقراره ضمن اللجنة العليا للاغاثة، واعتماد سياسة اللامركزية في إدارة الملف الإنساني وإعطاء دور أكبر للسلطات المحلية ومنحها مزيداً من المرونة تبعاً للوقائع الميدانية والمعطيات الخاصة بكل محافظة ووفق القواعد الموضوعة مركزياً، بالإضافة إلى ضبط عمل المنظمات غير الحكومية المحلية بما يضمن التنسيق ما بين هذه المنظمات والمنظمات الدولية للعمل ضمن الضوابط المحددة من قبل الجانب الحكومي ودعم وتشجيع العمل التطوعي الاغاثي بالتنسيق مع كافة الجهات والعمل على تعزيز ودعم المصالحات الوطنية بخطط للتدخل الخدمي والاغاثي
إن منظومة العمل الانساني بطبيعتها الحالية تعزز من عدم التعاون بين الجهات العاملة،. الأمر الذي يساهم في غياب الثقة المتبادلة وتضارب الأدوار فيما بينهم،.وبالتالي على الجمعيات الخيرية و المنظمات الإنسانية أن تجدد العهد بالالتزام بالأولوية الأولى في العمل الإنساني وهي: إنقاذ حياة المتضررين دون تمييز أو تفرقة، وحمايتهم من أي أذى والحفاظ على كرامتهم الإنسانية، وضمان حقهم في المساعدات الإنسانية التي تلبي احتياجاتهم. ويجب أن تعمل في أطر من الشراكة الحقيقية لتحقيق الأهداف المشتركة فاليوم، نحن نتحدث عن أكبر أزمة إنسانية في القرن الحالي، فقد أدى النزاع في سوريا إلى تهجير الملايين من السوريين داخل وخارج سوريا. وقد دخلت هذه الأزمة الإنسانية عامها السابع ونحن أمام تحديات حقيقية تمس مستقبل حماية ومساعدة السوريين، سواء في داخل سوريا أو خارجها فهم يقومون بالمزيد من المخاطرة في البحث عن أمل والبقاء على قيد الحياة وعلى الرغم من أن الدعم المالي المقدم يشكل عاملا مهما ومرتكزا أساسيا من حيث توفير الخدمات الإنسانية الأساسية للسوريين والتي وعلى الرغم من حيويتها، تبقى عاجزة عن تقديم حل حقيقي للسوريين فالمساعدات الإنسانية هي بمثابة برامج مؤقتة تمكن االمواطن السوري من الاستمرار والبقاء على قيد الحياة إلى حين إيجاد حلول دائمة وإنهاء الحرب في سوريا بعد تطهير أرضها من رجس الإرهاب وداعميه