الأبعاد الاستراتيجية والأقليمية لتحرير إدلب
أواخر آذار عام 2015 وفي عمليّة إرهابية مدعومة من دول الإرهاب العربي والغربي، سيطر تنظيم القاعدة في بلاد الشام (جبهة النّصرة ومشتقّاتها) على مدينة إدلب في شمال سوريا وذلك بعد أن شكّلوا تكتُّلاً باسم “جيش الفتح” ضمّ الآلاف من المُسلّحين الإرهابيّين والذين كانوا دائماً في صراع دموي فيما بينهم، مدعومين بآلاف المقاتلين الذين سهّلت تركيا دخولهم عبر الحدود الشماليّة لسوريا،فقد نفذوا عمليّة منظّمة بعيدة كلّ البُعد عن أسلوبهم في القتال المعروف، أكدت أنّها مناورة متقنة ومدروسة ينفّذها جيش مُحترف كالجيش التركي أو الأميركي وتُديرها غرفة عمليّات نموذجيّة في منظومة القيادة والسيطرة والاتّصال،ومما لا شكّ فيه أن تعدّد الفصائل المسلحة، واختلاف إيديولوجياتها ومرجعياتها ومصادر تمويلها، أكبر بكثير من إمكانية أن تتعايش معاً في رقعة جغرافية واحدة كإدلب، وهو ما بدأ يظهر علناً في صفوف المقاتلين الإرهابيين في إدلب من خلال اقتتال وصراع، وعمليات تصفية متواصلة بين فصيلين رئيسين هما “حركة أحرار الشام” من جهة وجبهة النصرة، والتي باتت تطلق على نفسها اسم “جبهة فتح الشام” من جهة أخرى، وتنظيم جند الأقصى الذي ضمّته جبهة النصرة إليها مؤخراً، بحجة حمايته من أحرار الشام .
إن الحقيقة الأكيدة والمطلقة هو أن الجيش العربي السوري وحلفاؤه لن يترددوا في استعادة إدلب في الوقت والمكان المناسبين من المجموعات الإرهابية المسلحة بكافة تسمياتها مثلها كمثل أي شبر من أرضِ الجمهورية العربية السورية والحديث عن إدلب يأتي لأنها قد تكون وجهة الجيش بعد تمكنه من تحرير مدينة دير الزور وذلك لأهميتها الجغرافية والإستراتيجية العسكرية والإقليمية فإدلب ذات موقع مميّز قرب الطريق الرئيس السريع بين العاصمة دمشق ومدينة حلب، تشترك حدودها كمحافظة مع محافظات اللّاذقيّة وحلب وحماه ومع تركيا في الشمال السّوري وتقع كمدينة في منطقة وسطيّة داخل مثلّث المُدن الرئيسة (حلب – حماه – اللّاذقيّة) وبالتالي فهي تشكل أهمية في خريطة العمليات الإستراتيجية العسكرية السورية باعتبارها مفتاح لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية إضافة إلى كونها نقطة وصل بين مناطق شمال ووسط سورية،امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية المرتبطة بالجانب التركي
وعلى الرغم من أهمية هذه المدينة من الناحية الجغرافية ولكن امتدادها في البعد الإقليمي يعطيها أهمية إضافية، فسيطرة الجيش على مدينة إدلب تمكنه من قطع الإمدادات التركية والخليجية من الشمال إلى السّاحل غرباً بشكل كامل ويُحمي ريف مدينة اللّاذقيّة الشّرقي ، كما ويستعيد عمق استراتيجي واسع يمتدّ من الحدود التركيّة إلى ريف حماه الشمالي. فاستعادة إدلب يدمر الأهداف التركية من مخطّط عمليّة احتلال مدينة إدلب المتمثلة بتعزيز الضغط على الجيش السّوري واستنزافه وتحضير جبهة النّصرة لاستخدامها رأس حربة في المشروع الإقليمي الإرهابي والمتمثّل في تشكيل جبهة معارضة (معتدلة) برعاية سعوديّة – تركيّة – أميركيّة، على إقليم جغرافي يشكل كيان خاص في محافظة إدلب يُشبه كيان “داعش” في الرقّة وهذا الإقليم يربط الحدود التركيّة بوسط الشمال السّوري حتى مدينة حماه فبعدما سيطر الجيش العربي السوري على مدينة حلب الشمالية، باتت إدلب، المتاخمة للحدود التركية، النقطة المحورية في المعادلتين، العسكرية والسياسية لذلك لن تقبل سورية وحلفاؤها خصوصا إيران وروسيا من تحقيق هذه الأهداف الأميركية –التركية -السعودية
وفي هذا السياق سرب قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني للإعلام نبأ زيارته لبلدة جورين على الجبهة مع إدلب، وفي ذلك رسالة عسكرية بليغة للجار التركي الذي ذهب بعيدا في دعمه للفصائل المسلحة وتأمين دخولها إلى إدلب “ وقد سبق هذا الأمر قول مصادر دبلوماسية إيرانية لـ”راي اليوم” إن تركيا تخلت عن كل التفاهمات غير المعلنة مع ايران بخصوص ضبط قواعد العمل العسكري في منطقة الشمال. وتضيف المصادر ان الجانب التركي تنكر من طرف واحد لتلك التفاهمات، وهو يعتمد الآن على تحالفه مع القيادة في السعودية. ، أما بالنسبة للجانب الروسي فهو يعمل وبالتنسيق مع الحكومة السورية على استحداث منطقة خفض توتر جديدة في إدلب من أجل الحفاظ على المدينة والسكان المدنيين فيها وتجنب تدميرها وحماية بنيتها التحتية يمكن أن نقرأ وبناء على متغيّرات الأحداث والتطور الملموس والنوعي في عمليات الجيش العربي السوري بعموم مناطق ريف اللاذقية الشمالي، أن خطط القادة الميدانيين في الجيش اتجهت بالمنحى الإيجابي، فخريطة العمليات العملياتية والتكتيكية والاستراتيجية وتبادل الأدوار والانتقال من خطة إلى أخرى والتكيف مع ظروف المعركة بسلاسة ملحوظة، هذه المتغيّرات التي أدارتها بحرفية وحنكة ملحوظة القيادة العسكرية الميدانية للجيش السوري بريف اللاذقية الشمالي بمجموعها، أثمرت وبعمليات نوعية وخاطفة بضرب خطوط الدفاع الأولى لـ “جبهة النصرة ” في ريف إدلب الغربي فالمجموعات الإرهابية في إدلب ليس أمامهم إلا الاستسلام أو الرحيل أو مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه وكل الشرفاء من الشعب السوري”، فالجميع يعلم أن أغلب هؤلاء الإرهابين هم ليسوا من أبناء سوريا بل أجانب، لذلك لابد أن يقتلوا أو يغادروا سوريا ولذلك بدأت بعض الدول تتسابق أيضا بتقديم خطة علها تحفظ ماء وجهها فقد أكدت الوثائق والتحليلات وجود تدخل تركي استخباراتي وعسكري في إدلب، فلذلك لا يمكن أن تضحي تركيا بالأدوات التي صنعتها خلال خمس سنوات في مدينة إدلب، والكل يعرف أن هناك حوالي 50 ألف مقاتل من الجنسيات غير السورية الذين ينتمون إلى عدة تنظيمات جهادية عالمية لديهم خبرات قتالية متراكمة إن كانت في أفغانستان أو باقي مناطق الصراعات وخصوصا أجناد القوقاز والحزب الإسلامي التركستاني، ولم يوجه التحالف الدولي أو تركيا إليهما أي ضربة،
مما سبق يمكن أن نقرأ بإدراك الأهمية الجيو-استراتيجية لهذه المدينة الأمر الذي دفع كل الدول الداعمة للإرهاب لإرسال مقاتليها الإرهابيين إليها ومحاولة إظهارهم أمام المجتمع الدولي كمعارضة معتدلة لتحقيق مصالحها وأهدافها ومشاريعها من خلال الحرب الدائرة والتي أصتنعتها تلك الدول في سوريا ، لكن بقدرة وبطولة الجيش العربي السوري وبحكمة القيادة العسكرية والسياسية يستحيل تنفيذ هذه المشاريع على الأرض السورية. وهذه حقيقة ثابتة يدركها السياسيون في كل بلدان العالم على الرغم من التعقيدات والصعوبات في التوصل إلى حل سريع ينهي معاناة السوريين