بعد القضاء على داعش متى يتم القضاء على فكرهم
كان خبر القضاء على الدولة الإسلامية في سوريا على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خبرًا مفاجئًا للجميع، بقدر ما كان مفرحًا، وإن كانت هناك تكهنات سبقت هذا الحدث بأيام وربما بأشهر،وهذا الحدث الكبير والهام، يطرح في الأذهان العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة ولعل أهمها من قام بزرع هذا التنظيم في جسد الأمة الإسلامية والعربية وهل كان هدفه أن يسهم في ضرب الإسلام من الداخل وأن بشوه صورته أمام المجتمع الدولي؟ وكيف سنتكمن نحن من نزع هذه الصورة بكل جوانبها وأفكارها ونظريتها من الفكر الإسلامي والعربي بشكل عام ومن المجتمع السوري بشكل خاص ؟
في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يشكّ بمصلحة إسرائيل ودورها في نموّ جماعات التطرّف الديني، وفي وجود دولة «داعش»؟!، فقد كان إعلان وجود «داعش» في العراق وسوريا، هو مقدّمة عملية لإنشاء دويلات جديدة في المنطقة، كما حصل من تقسيم للبلاد العربية بعد اتفاقية سايكس- بيكو في مطلع القرن الماضي، ما يدفع هذه الدويلات، في حال قيامها، إلى الصراع مع بعضها البعض، وإلى الاستنجاد بالخارج ، وإلى إقامة تحالفات مع إسرائيل نفسها، كما حصل أيضاً خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية
فلِمَ كانت التسمية للتنظيم في العراق والشام، بما يعنيه ذلك من امتداد لدول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وصحراء سيناء، ؟ ألا يرتبط ذلك بالمقولة الصهيونية الشهيرة “حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل” ثمّ أليست هذه الدول هي المجاورة لـ “إسرائيل”، ، ثمّ أيضاً، أليست هناك مصلحة إسرائيلية كبيرة بتفتيت منطقة المشرق العربي أولاً إلى دويلات طائفية وإثنية، فتكون إسرائيل «الدولة الدينية اليهودية» هي الأقوى والسائدة على كل ماعداها بالمنطقة؟!. ثم أيُّ مصير سيكون للقدس وللشعب الفلسطيني ولمطلب دولته المستقلّة ولقضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وسط الحروب الأهلية العربية والإسلامية، ونشوء «الدويلات» الدينية والإثنية؟!
ولذلك فإننا نقول لمن يتشكّكون بالخلفية الإسرائيلية لهذه الجماعات الإرهابية، التي تنشط بأسماء عربية وإسلامية، أن يراجعوا ما نُشر في السنوات الأخيرة عن حجم عملاء إسرائيل من داعش والنصرة والجيش الحر، الذين تمّ كشفهم في أكثر من مكان؟!، أليس كافياً أيضاً مراجعة ومقارنة دور إسرائيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك العلاقات التي نسجتها منذ عقود مع جماعات في العراق، كما تفعل ذلك الآن مع قوى “معارضة” في سوريا لإثبات ضلوعها في تكوين هذا التنظيم الإرهابي؟!
ولو حاولنا ربط الأحداث بعضها ببعض فسوف تظهر خفايا كثيرة ، وكشف هذه الأحداث والحقائق ضروري لتبرئة الإسلام والمسلمين من الإرهاب الذي صبغهما الغرب به بمعونة عملائه في المنطقة خاصة أن الملايين من أبناء الأمة الإسلامية والعربية وربما بعض الغربيين ممن جاء أبناؤهم إلى العراق أو سوريا للانخراط مع التنظيم الإرهابي، يحتاجون إلى إجابات واضحة وصريحة حول هذه النقاط المهمة فكثيرون ممن عانوا كثيرًا وجرحت قلوبهم قبل أجسادهم عندما علموا بانضمام فلذات أكبادهم إلى تنظيم الشر، وهناك آخرون بكوا حرقة على أبرياء راحوا ضحية فكر هذا التنظيم الشيطاني من خلال العمليات الإرهابية التي نفذوها في كثير من دول العالم وصلت إلى فرنسا وأوروبا والتهديدات المباشرة لكثير من دول العالم، وراح ضحيتها أبرياء. فقد ضرب عنف هذا التنظيم وعمله الاجرامي كل ملة وطائفة ودين بل كان ضد جميع البشر.
وأمامنا الآن مراحل مهمة من حرب الإرهاب تتمثل في إزالة هذا الفكر من التعليم ومن مدارسنا بالدرجة الأولى؛ لأنهم قد بثوا سمومهم في كل جزء من حياتنا، وهي مهمة صعبة وتحتاج إلى وقت؛ لكنها يجب أن تكون خطة استراتيجية وطنية، يسهم بها جميع الجهات ذات العلاقة وأن يكون المواطن واعيًا بهذه الرسالة وأهمية مشاركته بها بفاعلية كبيرة. فالمشكلة ليست في كيفية تحقيق الحملة العسكرية، بل في البيئة الفكرية والسياسية التي ساعدت وتساعد على وجود ظاهرة «داعش» داخل العراق وسوريا وليبيا، كما الآن في دول أخرى عديدة بالعالم
فـــ «داعش» الآن، ومعها وقبلها «القاعدة»، استطاعتا استقطاب قطاعات واسعة من شباب العرب والمسلمين، بسبب غياب فعالية الفكر الديني السليم، الذي يُحرّم أصلاً ما تقوم به هذه الجماعات من أساليب قتل بشعة، ومن جرائم إنسانية بحقّ الأبرياء من كلّ الطوائف والمذاهب والجنسيات، بل كل من يختلف معها، حتّى من داخل الوطن أو الدين نفسه.
.فظاهرة «داعش» نمت في بيئة الفوضى والانقسامات الوطنية، وفي وحل جماعات الإرهاب في سوريا والعراق، وهدّدت بوجودها مصير معظم دول المنطقة. لكن عنصر التهديد هنا ليس نابعاً من القوة الذاتية فقط لهذه الجماعة الإرهابية، بل من يراهنون على «داعش» لتوظيف أعمالها لصالح أجندات محلية أو إقليمية خاصّة، بينما هم لاحقاً ضحايا لهذه الأعمال، ويحترقون أيضاً بنيرانها.
على أية حال أنّ هذه الظاهرة مصيرها الاضمحلال، فهي حركة هدم في الحاضر، لا من أجل بناء مستقبل أفضل، وهي بفكرها وممارساتها، تخدم المشروع الإسرائيلي فقط، الذي لا يرحم أحداً غيره. وعندما يحارب الجيش العربي السوري هذا الفكر فهذا يعني أنه يحارب الفكر القاعدي الذي خرج داعش من رحمه، ويحارب الفكر التكفيري نيابة عن المجتمع الدولي كاملا.
والأمر المؤكد أنه آن للشعب السوري أن يحتفل بزوال هذا الكابوس من على كاهله لكن علينا أن نستمر في العمل على محاربة الفكر المتطرف في كل مكان، وأن ننزع من أجيالنا القادمة فكرة الغلو والتشدد، ، فالدين الإسلامي دين يسر وليس دين تهويل وعسر.
#حسين_راغب
#بعد_القضاء_على_داعش_متى_يتم_القضاء_على_فكرهم