في التحليل الخاص لملامح العقد المُقبِل الذي أصدرته شركة ستراتفور الأمريكية، المتخصصة في تقديم الاستشارات الإستراتيجية والاستخباراتية، في مطلع العام 2015، أشارت بشكل واضح إلى تركيا باعتبارها اللاعب الأهم الذي سيشكّل طبيعة الشرق الأوسط الجديد في الفترة المقبلة، لكن على الرغم من ذلك، لم يشر التقرير بوضوح إلى تفاصيل الدور التركي وطبيعته، كما أنه صدر قبل أن يبرز ملف داعش في المشرق، وعودة الأزمة بين تركيا والأكراد، وتوقيع إيران لاتفاقها النووي ، وهذه الأحداث بالطبع تغيّر الكثير من المعطيات أمام تركيا التي عمل فيها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم مطلع العام 2003 على سياسة “تصفير المشاكل” مع دول الجوار والتي أفضت نتائجها وتطبيقها الفعلي على الأرض إلى صفر تعاون مع الجوار فالتدخل التركي في سوريا ودعم الإرهابيين أدى إلى حدوث الكثير من الاضطرابات في الداخل التركي لعل أهمها الانقلاب التركي والذي وإن باء بالفشل فهو يدل على هلامية الوضع الداخلي التركي وهشاشته
لقد دلت الأحداث المتسارعة التي وقعت في المنطقة على استغلال الحكومة التركية للعلاقات الطيبة مع الجوار من أجل العودة إلى الحكم العثماني فتركيا دعمت التبادل التجاري والثقافي بين دول الإقليم؛ إذ ساهمت في تأسيس “مجلس التعاون عالي المستوى” HLCC، والذي يضم تركيا والأردن ولبنان وسوريا، بهدف خلق منطقة حرة لنقل الأشخاص والبضائع بين تلك الدول الأمر الذي استغلته تركيا في نقل الإرهابيين الأجانب إلى سوريا، ثم بعدها أنشأت عدداً من المجالس الاستراتيجية عالية المستوى مع كل من العراق وسوريا ومصر على أساس من العلاقات الثنائية، ورغم ذلك انقلبت على نفسها وأصبحت أكبر دولة مصدرة للإرهاب إلى دول الجوار والأن هي متواجدةعلى الأرض السورية كمحتل بطريقة غير شرعية إضافة إلى أنها تقتل المواطنين السوريين بقذائفها اليومية على عفرين
على أية حال لم يبق من عمر اردوغان في حكم تركيا الا سنة وبضع أيام وهي المدة الباقية على خوض تركيا الانتخابات بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية والتي ستجري في آذار 2019 .
ومنذ ما يقرب من سنة وكل استطلاعات الرأي تشير بكل وضوح الى ان اردوغان سوف يخسر الانتخابات ويترك السلطة لتبدأ بعد ذلك المحاسبة لاسيما بعد فتح ملفات الفساد .
وأردوغان بالذات يجري استطلاعات الرأي من خلال اجهزته العديدة كذلك هو يتابع وبكل دقة نتائج تلك الاستطلاعات التي تقوم بها شركات موثوقة ومتخصصة ومعروفة بمصداقيتها في هذا المجال .
ومنذ أكثر من سنة وكل الاستطلاعات تشير الى فشل اردوغان في الانتخابات وهذا يفقده الصواب والاتزان و يسبب له الخوف و الارق والاحباط .
كلما اقترب موعد الانتخابات فهو في خصام ونزاع مع الجميع في الداخل والخارج .
يخرج من ازمة ويدخل في آخرى اشد تعقيدا او بالاحرى هو يختلق الازمات والنزاعات في سبيل الاستمرار في السلطة .
ففي الداخل أبعد اردوغان كل رفاقه من الرئيس السابق عبد الله غول وبشير اتالاي وبولند آرنج وحسين جليك وداود اوغلو وبباجان وآخرين كثيرين من الذين اوصلوا حزب العدالة والتنمية الى السلطة حيث عاش الحزب عهده الذهبي في ظل هؤلاء في البدايات لاسيما في الانفتاح الكردي وترتيبات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والقضاء على الدولة السرية كما أنه منذ سنوات تدار تركيا بقوانين الطوارئ ولم يعد للبرلمان اي دور .
وهذا يعني في الواقع حكم الحزب والفرد الواحد .
أضف إلى ذلك أن اكبر عدد من الصحفيين الذين زج بهم في السجون هم في تركيا و التي تأتي في المرتبة الثانية في العالم.
علاوة على الأعداد كبيرة من الصحفيين الذين تم طردهم من عملهم وذلك بسبب الضغظ والتهديد الذي تمارسه السلطة على اصحاب الصحف والاعلام .
أما من الناحية الخارجية فعلاقات تركيا مزاجية وتشتهر بالاستدارات 180 درجة كما حدث مع “اسرائيل” التي هددها ولكنه عاد واعتذر منها وكذلك حدث مع بوتين عند اسقاط الطائرة الروسية ولعب اردوغان صعودا وهبوطا في علاقاته مع امريكا والدول الاوربية .
في المُجمَل، أن مستقبل تركيا في الشرق الأوسط مرتبط بتغيير نظام الحكم فيها فهذا النظام لم يترك لنفسه حلفاء أو جيران أو أصدقاء فجهود السياسة التركية بنظامها الحالي في المرحلة القادمة تقوم على دعم التنظيمات المتشددة التابعة له وخاصة جبهة النصرة، بشكل يضمن أكبر قدر من الحضور على الساحة السورية والتي تعتبر مفصلا لكيفية العلاقات الإقليمية وتراتبية وتحالفات القوى الدولية، وبالتالي سيكون الحديث عن تركيا ومستقبلها في الشرق الأوسط مختلف قبل وبعد أذار 2019 لأن قيام نظام جديد معتدل في تركيا سيسمح لها بإعادة تكوين علاقاتها من دول الجوار والذي سيضمن مستقبلها في الشرق أما إذا استمرت بنظامها الحالي أو ما يشابهه فهي ستضمر شيئا فشيئا حتى تفقد كل دور لها في الشرق الأوسط وبالتالي في العالم