العقيدة العسكرية السورية
يعتبر يوم الأول من آب عام 1946 هو التاريخ الرسمي لتأسيس الجيش العربي السوري، وهو موعد استلام الحكومة السورية للقوات المسلحة وكل ما يتعلق بإدارتها من سلطات الاحتلال الفرنسي، وقد خاض الجيش السوري منذ تأسيسه وحتى اليوم عدة حروب، أولها معركة ميسلون بقيادة الشهيد يوسف العظمة ضد الغزو الفرنسي لسوريا، وحرب الأيام الستة المعروفة بنكسة حزيران، وحرب أيلول الأسود التي دخلتها سوريا للدفاع عن منظمات المقاومة الفلسطينية في الأردن، وحرب تشرين التحريرية عام 1973، وحرب لبنان عام 1982 في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، كما تدخل الجيش السوري في لبنان عام 1976 لوضع حد للحرب الأهلية التي اندلعت بين ميليشيات الأحزاب اللبنانية، كما شارك في “الحلف الدولي” لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991.
ومنذ أن أرخت الازمة التي تمر فيها سورية منذ أكثر من سبعة أعوام بظلالها على البلاد، وسالت دماء مئات الالاف السوريين وحل الدمار بشكل واسع ناهيك عن ملايين المهجرين، كان في طليعة المستهدف من هذا النزاع الدموي هو الجيش السوري، الذي وجد نفسه مجبراً على الدخول في معركة التصدي لمشروع إسقاط سوريا بيد جماعات مسلحة تتعدد مشاربها، فواجه عدوانا مركبا وتحديدا في الشق الاعلامي الذي استهدفه على مدار الساعة، من خلال اخبار كاذبة وتضليل والكثير من التشويه ومحاولة شيطنته، ودق اسفين بين افراده ومكوناته، ومحاولة النيل من عقيدته، اضافة الى ذلك الضخ المالي والاغراء ومحاولة شراء الكثير من النفوس المريضة التي كانت في الجيش، ومحاولة تضخيم هذه المسائل، وهي كانت حالات فردية ولم تؤثر على وحدة وتماسك وقوة وعقيدة الجيش السوري، هذه العقيدة التي أثبتتها تضحيات رجالات الجيش العربي السوري من أعلى الرتب وحتى أخر مجند فيه، فعند النظر إلى قائمة شهداء الجيش العربي السوري، لا يمكن إلا أن نلاحظ أن العديد من الضباط ذوي الرتب العالية يأتون في مقدمة قوائم الشهداء، ضباط برتب لواء وعميد قدموا أرواحهم وتقدموا قواتهم في المعارك، وبعضهم تحول إلى أساطير في الصمود والتضحية.
فهم يحاربون دفاعاً عن أوطانها أولاً، ثم عن أفكار ومعتقدات يؤمن الأفراد والضباط إنها تصب في مصلحة الجمهورية العربية السورية، لذلك يصبح النصر مهماً لأنه يحمل مجداً، وتكون الهزيمة ندبا في الذاكرة فالمعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري اليوم، تذكرنا بالمعارك الخالدة التي خاضها الجيش الأحمر إبان الحرب العالمية الثانية.
فالوطن سوريا هو العقيدة الأولى في البنية النفسية للجنود والضباط… لذلك أرتقى كبار الضباط شهداء في ساحات المعارك، ويقف الجندي المسيحي ملوحاً بسلاحه يفتخر بدفاعه عن المسجد ثم يرتقي شهيداً على عتبات مقام السيدة زينب، ويرتقي الجندي المسلم الصائم شهيداً دفاعاً عن حي السريان في حلب، عندما يحدث كل هذا تتحول المعارك اليومية، التي يخوضها الجيش العربي السوري، إلى ملاحم بطولية وتتحول قصص الشهداء والأحياء إلى أساطير.
إن نظرة ثاقبة للمعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري تثبت امتلاكه لزمام المبادرة، فقد أجمع الخبراء العسكريون في الغرب الأوروبي على أن النجاح الذي حققه هذا الجيش وهو يقاتل على الأرض وفي الجو ضد الزمر الإرهابية المدربة في دول العدوان، كان قتالاً مهنياً تمت إدارته بمهنية عسكرية وبفنون العقيدة العسكرية التي امتلكتها بعض الجيوش في العالم في ساحة الميدان، وبهذا فقد أثبت الجيش العربي السوري أنه القادر على حسم المعارك، لحمله المفاهيم العسكرية العقائدية التي ورثها منذ تأسيسه وحتى الآن، وبذلك كانت الرؤى العقائدية تمثّل إمكانية نجاحه في حسم المعارك العسكرية بخطا ثابتة في ميادين القتال ضد العدوان الأمريكي- الغربي- الصهيوني والحركات المتطرفة.