سياسي ومجاهد عربي سوري , هو ابن سليمان بن محمد هنانو , ووالدته كريمة الحاج علي الصرما من أعيان بلدة كفر تخاريم والتي تقع غربي حلب , ولد في البلدة المشار إليها , وتلقى دراسته الابتدائية فيها
والثانوية في حلب , وكان والده يمانع بسفره إلى الأستانة لإتمام علومه , لاعتقاد والده بأن الوظيفة الحكومية لا تليق بابنه الشاب , وهو ثري لا حاجة له بالوظائف .
سافر إلى الآستانة دون علم والده , وقبل سفره أخذ ما وصل إلى يده من ريع أملاك والده , ويقدر بأربعة آلاف ليرة ذهبية , وبعد وصوله إلى الآستانة , أخبر والده بأخذه المال لئلا يوجه شبهاته إلى العاملين لديه
وهناك لم يقبل في المدرسة لكبر سنة , فلم ييأس وذهب إلى وزير المعارف , آنذاك , وكان من أسرة المقدسي بحلب , فأخبره بقصته وأبدى له رغبته في الدراسة , فتوسط له الوزير ودخل المدرسة , واجتاز صفين بسنة واحدة , فاستقبل من قبل أهله وأبناء بلده , وخرج به والده وأقام له الحفلات والزينات.
عاد إلى استنبول بعد أن قضى عطلة الصيف في قريته , وفي هذه المرة أقام في الآستانة ثلاث سنوات
وكانت مدة دراسته سبع سنوات , وأنهى شهادته الجامعية من معهد الحقوق , لأن من الشروط أن يصبح مديراً لمدرسة زهاء سنة , ثم عين في حلب مديراً لمدرسة وأخذ الشهادة , وعين مديراً للناحية في ضواحي استنبول , وبقي فيها ثلاث سنوات , وفي خلال هذه الفترة تزوج من فتاة من مهاجري أرضروم في بورسه ولم يرجع إلى بلده حسب عادته , ثم أصبح قائمقاماً بنواحي أرضروم , وبقي فيها أربع سنوات , وقد ولدت ابنته (نباهت) هناك , ثم عين مستنطقاً إلى كفر تخاريم وظل فيها ثلاث سنوات , وانتخب عضواً
في مجلس إدارة حلب , وبقي أربع سنوات رئيساً لديوان الولاية وبقي فيها زهاء سنتين .
وبعد ولادة ابنته (نباهت) باثني عشرة سنة , ولد (طارق) , وقد توفيت زوجته بعد أن ولدت ابنهما (طارق)
وقد توفيت زوجته بعد أن ولدت ابنهما (طارق) ب /15/ يوماً , وبقي الولدان في رعاية عمتيهما فاطمة وزكية .
وفي العهد الفيصلي , انتخب مندوباً عن قضاء حارم في المؤتمر السوري بدمشق انتدب لتأليف جماعات عربية تشاغل الفرنسيين الذين احتلوا أنطاكية , جاعلاً مقره حلب . بعد معركة ميسلون واستشهاد البطل الخالد يوسف العظمة : وزير الدفاع السوري , واحتلال الفرنسيين لدمشق وحلب , امتنع في بلاد بيلان شمالي حلب بقوة من المتطوعين الوطنيين , وقاتله الفرنسيون فظفر وألف حكومة وطنية ولقب بـ(المتوكل على الله) وكثرت جموعه واتسع نطاق نفوذه . خاض /27/ معركة لم يصب فيها بهزيمة , واستمر سنة كاملة ينفق مما بجيبه عماله في الجهات التي انبسط فيها سلطانه .
كاتب عبد الله أمير شرقي الأردن آنذاك , بعد البيان الذي أذاعه بأنه بصدد تحرير سورية من الفرنسيين ,
على حد زعمه , ثم قصده للاتفاق معه على توحيد الخطط, فلما كان في شرقي سلمية,على مقربة من حماه وهو في عدد من فرسانه ,اعترضه قوة من الجيش الفرنسي,فقاتلهم بشجاعة ونجا وبعض من كان معه , فبلغ عاصمة الأردن , فلم يجد فيها ما يطمح إليه, واعتقله البريطانيون في القدس وسلموه إلى الفرنسيين ,وحوكم في حلب محاكمة شغلت سورية عدة شهور انتهت باعتبار ثورته (سياسة مشروعة)
وتحول إلى الميدان السياسي , واجتمعت على زعامته سورية .
كان منهاجه : لا اعتراف بالدولة المنتدبة ولا تعاون معها .
وفي أوائل شهر أيلول سنة /1933/م أقدم المدعو (نيازي الكوسا) بإطلاق الرصاص على الزعيم إبراهيم هنانو في قريته محاولاً اغتياله , فأصابه في قدمه , وكانت مؤامرة مدبرة , وقد زحفت حلب للاطمئنان
عن صحته , وقبض على الجاني في أنطاكية وحكم عليه بالسجن عشر سنوات , ثم أصدر المفوض السامي الفرنسي عفواً خاصاً , ولا غرابة في ذلك فإن سلطات الانتداب كانت تقف وراء هذا الاغتيال الفاشل .
ولقي الزعيم هنانو من الأهوال والشدائد ما أثر في صحته فأصيب بمرض السل وذهب في سنة /1934/م
إلى بحمدون في لبنان للاستشفاء والنقاهة , ثم عاد إلى بلدته يشرف على مواسم الزيتون , وكان أعضاء الكتلة الوطنية في حلب يزورونه في البلدة ويأخذون منه توقيعه لتنفيذ مقررات الكتلة الوطنية .
وفي صباح الخميس الموافق للثاني عشر من تشرين الثاني العام /1935/م قضى المجاهد هنانو وفاضت روحه الكريمة إلى بارئها العظيم .
وأذن المؤذنون ينعون فقيد الوطن والأمة فأغلقت مدينة حلب أسواقها وخرجت تشيع الراحل الكبير إلى مثواه الأخير .
وكان لوفاته وقع الغاشية على البلاد وفي أنحاء الوطن العربي الكبير . وتتالت برقيات التعزية من الملوك والرؤساء والزعماء , وفي صباح يوم الجمعة خرج المأتم الوطني العام في تشييع الجثمان الطاهر , وحمله إخوانه ورفاقه في الجهاد على أكفهم إلى الجامع الأموي بحلب حيث صلي عليه قبل أن يوارى الثرى , وفي اليوم التالي أضربت دمشق , وارتفعت أصوات المؤذنين وقرعت أجراس الكنائس , إعلاناً للحداد الوطني العام على فقيد البلاد .
وأينعت ثمار الكفاح الطويل . وحققت سورية العربية هدفها العظيم وانتزعت استقلالها وكانت على
عهدها مقيمة .
وقد أوصى هنانو قبل وفاته , بأن لا يقام له ضريح إلا بعد أن تتحقق الأهداف التي كافح من أجلها .
وقد أراد الله لهذه الأمة المجيدة أن تصل إلى غايتها المنشودة وتجلو الدخيل عن ثراها الطاهر .
وفي كل مدينة من محافظات سورية يحمل أحد الشوارع الرئيسة اسم البطل الثائر إبراهيم هنانو تخليداً لذكراه الطيبة العطرة .
كان إبراهيم هنانو ذا وجه أبيض مائل إلى السمرة , تشع فيه عينان تتوقدان ذكاء وحزماً , وكان كثيف الحاجبين , عريض الجبهة مديد القامة , عفيف النفس , كريم الخلق , شهماً مغواراً , حاضر البديهة , قوي الإرادة , لا تفتر له همة , عربي الشمائل , يعطف على الفقراء , ويضحي بكل عزيز من أجل
عزة الوطن .
ومما قاله الشاعر الكبير بدوي الجبل في رثاء وتأبين إبراهيم هنانو نختار هذه الأبيات :
صلّى الإله على قبر يطوفُ به كبيت مكةَ من حجُّوا ومَن قصدُوا
أغفى أبو طارق بعدَ السنُهاد به وخلَّفَ الهمَّ والبلوى لمن سهِدوا
ضاوٍ من السُقْمِ ضَجَّتْ في شمائِلِهِ عواصفُ الحقّ والأمواجُ والزَبَدُ
إذا أثيرَ نَضَا عنهُ مواجعَهُ كما تَفَلَّتَ من أشراكِهِ الأسَدُ
يَروُعُ في مُقْلَتَيْهِ بارقٌ عَجَبٌ وعالمٌ عبقريُّ السِحْرِ مُنْفَرِدُ
حسين راغب