(1876-1953) م
بقلم : مير بصري “مؤرخ وكاتب عراقي”
من أعلام الأدب العربي الحديث محمد فريد بن عبد الرزاق بن محمد كرد علي, ولد في دمشق في آذار 1876 في أسرة كردية تنتسب إلى القبائل الكردية الأيوبية أصلها من السليمانية , وقد نزحت إلى الشام قبل قرن ونصف , كانت أمه جركسية من بلاد القوقاز وكان أبوه تاجراً ومزارعاً عني بتعليمه منذ صغره
فدرس اللغات العربية والتركية والفرنسية والفارسية وقضى سنوات في المدرسة الرشدية ومدرسة الآباء اللعازريين ثم لازم الشيخ طاهر الجزائري فأفاد منه وطالع أمهات الكتب وحفظ عيون الشعر والمقامات الأدبية حتى مهر في الكتابة والبيان وتولّى في العشرين من عمره تحرير جريدة رسمية صدرت في دمشق
باسم (الشام) فعمل فيها ثلاث سنوات وراسل مجلة (المتطف) الشهيرة وزار مصر سنة 1901 فحرّر جريدة (الرائد المصري) عشرة شهور وعاد إلى دمشق لأن السلطات التركية ضايقته لاتهامه بحرية الفكر والنزعة الاستقلالية , فنزح إلى مصر ثانية واتصل بالشيخ محمد عبده وسائر فضلائها . وأنشأ مجلة (المقتبس) في كانون الثاني 1906 وتولّى في الوقت نفسه التحرير في جريدة (الظاهر) و (المؤيد).
أعلن الدستور التركي سنة 1908 وأطلقت حرية الصحافة والرأي , فعاد محمد كرد علي إلى دمشق وتولى إصدار مجلة (المقتبس) فيها .
وأضاف إليها جريدة بالاسم نفسه في 19 كانون الأول 1908 كانت مسرحاً لأقلام كبار الكتاب وأداة لمناهضة سياسة التتريك العثمانية . واضطهدته السلطات التركية فمضى إلى مصر وزار أوروبة ثم عاد وترك الجريدة اليومية لأخيه أحمد كرد علي وتفرّغ للمجلة .
ونشبت الحرب العالمية سنة 1918 فكاد يساق مع صحبه من دعاة الحرية إلى ديوان الحرب العرفي
لكن الوالي أحمد جمال باشا اقتنع بعدم ناوأته للحكم التركي أصلاً . فدعاه إلى إصدار جريدته وعهد إليه تحرير جريدة (الشرق) التي أصدرها سنة 1916 وجنّد لها أقلام كبار الكتاب أمثال عبد القادر المغربي
وشكيب أرسلان وتاج الدين الحسني ومحمد حبيب العبيدي الموصلي لغرض الدعوة لتركيا وجيشها .
قال خير الدين الزركلي :
وأمضى مدة الحرب مصانعاً بلسانه وقلمه وظل يخشى شبح جمال حتى بعد الحرب
سافر محمد كرد علي إلى الآستانة عقب خروج الأتراك من الشام ثم لم يلبث أن عاد وتولى تأسيس المجتمع العلي العربي في 30 تموز 1919 وكان رئيسه إلى آخر حياته عدا فترة قصيرة في سنة 1937 وقد اقترن اسمه بالمجتمع ومجلته وخزانة كتبه رعى هذه المؤسسات وعني بشأنها لتؤدي رسالتها الثقافية الكاملة وأصبح وزيراً للمعارف في وزارة جميل الألشي أيلول 1920 كما تولّى هذه الوزارة مرة أخرى في ظل الانتداب الفرنسي شباط 1928 رحل إلى الأقطار الأوروبية مراراً وعيّن عضواً بمجتمع اللغة العربي بمصر عند إنشائه سنة 1934 .
انقطع للأدب والبحث والتدوين ووضع عشرات الكتب ومئات البحوث والمقالات منها: خطط الشام
/6 مجلدات/-الرحلة الأنورية إلى الأصقاع الحجازية والشامية 1916-غرائب الغرب /جزءان 1910/
غابر الأندلس وحاضرها/1923/–الحكومة المصرية في الشام 1925دمشق مدينة السحر والشعر/1944/
القديم والحديث/1925/–تاريخ الحضارة /ترجمة عن الفرنسية تأليف شارل سنيوبوس –الإدارة الإسلامية في عزّ العرب /1934/-الاسلام والحضارة العربية /مجلدان 1934/ -أمراء البيان /مجلدان 1937/
أقوالنا وأفعالنا /1946/-غوطة دمشق /1949/-كنوز الأجداد /1950/-المذكرات /1948-1951
أربعة أجزاء/ إلخ …
وحقق نشر مؤلفات منها :رسائل البلغاء /1908/ -سيرة أحمد ابن طولون /تأليف أبي محمد عبد الله البلوي -1939/ حكماء الإسلام /للبيهقي 1946/ المستجاد من فعلات الأجواد /للتنوخي , مجلدان/
كتاب الأشربة /لعبد الله بن قتيبة 1947/.
وقد أدركته الوفاة في دمشق في 2 نيسان 1953 قال خير الدين الزركلي في أعلامه إن حياته العلمية كانت سلسلة متصلة الحلقات من بدء نشوئه إلى يوم وفاته . وكان من أصفى الناس سريرة وأطيبهم لمن أحبّ عشرة وأحفظهم وداً , وقال محمد كرد علي نفسه : إنه خلق عصبيّ المزاج , محباً للأنس والدعابة عاشقاً للنظام والحرية والصراحة , كارهاً للفوضى , متألماً للظلم , محارباً للتعصب , ماقتاً للرياء.
وقال شفيق جبري :
إذا خلا إلى نفسه فإنما يخلو إلى كتبه , وإذا اعتزل دمشق إلى ريفه في الغوطة , فإنما يعتزلها ليصغي إلى أحاديث كتاب يجالسه إصغاءه إلى حفيف شجره وزقزقة طيره وثغاء غنمه وخوار بقره .
وقال جمال الدين الألوسي:
يعدّ محمد كرد علي من أبرز روّاد النهضة الإسلامية العربية الحديثة ومن رجال الإصلاح والتجديد والمنافحين عن الإسلام والمسلمين .
جاهد بقلمه ولسانه , ونصّب نفسه رقيباً على من يتصدّى للعرب بلمز أو للإسلام بغمز , وكتب في الإصلاح الديني ودعا إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي , وشدّد النكير على أهل الضلالات والبدع ..
وألف عشرات الكتب النافعة القيمة . وما زال يجهر في الحق ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة
الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن إلى أن التحق بالرفيق الأعلى .
وقال أيضاً :
ظل محمد كرد علي يصور في مقالاته عصور الظلم والاستبداد ويحارب الجهل والجهلاء ويدعو إلى التحرّر من الخرافات ويدعو إلى التجديد بالصالح من وسائل المدينة الحديثة ولا سيما العلوم والصناعة ويرى أن لا سبيل للوطن العربي أن يتخلص مما هو فيه من التخلف إلا إذا كثر الداعون إلى الحرية والناقمون على الاستبداد.
وقال شكيب أرسلان يخاطبه في أثناء جهاده في جريدته لتعرية حكم الاستبداد العثماني
فيا كرد, لا تحزنَنْكَ الخطوب فإن الهموم بقد الهمم
ومن رام أن يتعاطى البيان توقع أن يبتلى بالنّقم
فيا كرد,صبراً على محنة فكم محنة شيّبت من لِمَمْ
وقال معروف الرصافي شاعر العراق:
فلم أر في عرب وعجم لقيتهم ككرد عليّ في الرجال مهذّبا
هو العالم الحبر الذي كنت مغرماً بآدابه منذ الشبيبة والصبا
فقد كان في مصر صرير يراعه يؤانسني بالممتع الغضّ مطربا
وكم كنت في الآداب والعلم كاشفاً “بمقتبس” من نوره ما تحجّبا
إلى أن أنار الشام بالعلم عندما لمجتمعها أمسى الرئيس المرتّبا
المصدر : البناء السوري وحدة التنوع والتعدد
إعداد وتحرير وتوثيق:مازن يوسف صبَّاغ